وقد أقدم كثير من العلماء على تفسير العمليات المعرفية والعمليات التي تحدث داخل المخ البشري بهدف اكتشاف كيف يتم استقبال وتجهيز ومعالجة المعلومات التي يستقبلها الفرد داخل المخ البشري.
والاهتمام بدراسة كيفية تجهيز ومعالجة المعلومات يتطلب الدراسة العلمية لعدة عمليات، حددها وهي: ( الإحساس – الانتباه – الإدارك – اتخاذ القرار – حل المشكلات – التخيل – التفكير – التعلم – ثم العلاقة بين التكوين النفسي والتكوين الجسمي)، حيث تهتم هذه العمليات وغيرها من العمليات العقلية والنفسية بالأساليب التي يستخدمها الفرد للحصول على المعرفة.
تطور علم النفس المعرفي الاجتماعي ـ ـ ـ نشأة وتاريخ:
أهتم علماء علم النفس المعرفي بدراسة مفصلة للعمليات العقلية المعرفية و الاجتماعية، التي يحتاجها الإنسان في أثناء اتخاذ للقرار، حيث ظهرت الحاجة إلى الانتقال من دراسة العلاقة بين المثير والاستجابة والتركيز على العمليات العقلية المعرفية التي يستخدمها الإنسان في أثناء حصوله على المعرفة من جانب، والتي تظهر فينا بعد في شكل مظاهر للسلوك الإنساني من جانب آخر.
وفي هذا الصدد، تعتبر نظرية تجهيز المعلومات أحد فروع علم النفس المعرفي وموضوع علم النفس المعرفي هو الدراسة العلمية للكيفية التي تكتسب بها المعلومات وتحويلها إلى علم أو معرفة وكيفية الاحتفاظ بها، واستخدام هذه المعلومات وتوظيفها في إثارة الانتباه والسلوك، لذا فقد استمد علم النفس المعرفي المعاصر نظرياته وأساليبه الفنية من أثنى عشر مجالا ً من المجالات الأساسية للبحث العلمي.
فروع التي اعتمد عليها علم النفس المعرفي:
- علوم المخ.
- الإدراك
- التعرف علىا لنمط.
- اللغة.
- الانتباه.
- التذكر.
- تمثيل المعلومات.
- التصور ( التخيل).
- الذكاء الإنساني.
- الذكاء الاصطناعي.
- التفكير وحل المشكلات.
- علم نفس النمو.
ومع ظهور علم النفس المعرفي بدأ علماؤه ينتقدون النظرية السلوكية حيث كانت تنظر إلى الناس وكأنهم صناديق سوداء ، دون أن تولى اهتماما ً بالعمليات العقلية المعرفية، وركزت اهتمامها على المثيرات والاستجابات.
بينما يطلق أصحاب النظرية السلوكية على نقاد علماء علم النفس المعرفي أحيانا ً اسم صاحب نظرية الصندوق الأبيض لأنهم يضعون بين المثير والاستجابة صندوق أبيض أو عدة صناديق بيضاء فمثلا ً: مكونات تجهيز المعلومات تتضمن ثلاثة صناديق، الصندوق الأول: الذاكرة الحسية، يليله الصندوق الثاني: الذاكرة قصيرة المدى، يليله الصندوق الثالث: الذاكرة طويلة المدى بصورة مفصلة.
ولقد أسفر هذا الانتقاد عن أن علماء علم النفس المعرفي أصبحوا أكثر اهتماما ً بنظرية تجهيز المعلومات، فهم يشبهون العمليات العقلية المعرفية التي يستخدمها الإنسان في تعامله مع المعلومات الداخلة والخارجة بالعمليات التي تحدث داخل الكمبيوتر.
وأشار علماء علم النفس المعرفي إلى سبييت رئيسين أديا إلى نشأة نظرية تجهيز المعلومات هما: الاتجاهات النفسية قبل بزوغ نظرية تجهيز المعلومات، تأثير بعض العلوم الأخرى في بزوغ نظرية تجهيز المعلومات.
1- الاتجاهات النفسية قبل بزوغ نطرية تجهيز المعلومات وتشمل:
أ- اتجاه الخبرة العقلية:
علم النفس علم قديم نشأ مع نشأه الإنسان نفسه، عندما بدأ يتأمل ذاته ويتأمل عالمه،وعبر التاريخ الطويل لهذا العلم نجد أنه ظل فترة طويلة من الزمن يدرس بوصفه فرعا للفسلفة، أي أن الإنسان ظل خلال هذه الفترة يدرس علم النفس بنفس الطريقة التي تدرس بها الموضوعات الفلسفية، ولذلك اهتم فلاسفة اليونان بعلم النفس،
مقالات ذي صلة : نظرية بافلوف في علم الطب النفسي
واعتقد أفلاطون ( 427 – 347 ق. م) أن النفس بالنسبة للجسن كالربان بالنسبة للسفينة وقسم النفس إلى أقسام ثلاثة هي: النفس العاقلة ومكانها الرأي، والنفس العصبية ومكانها القلب، والنفس الشهوانية ومكانها البطن، كما اهتم أرسطو ( 384 – 322 ق. م) بدراسة النفس واعتبر أن النفس شيء من أشياء الطبيعة ينبغي دراستها ضمن علوم الطبيعة الفيزياء، مستخدما ً نفس المنهج المستخدم في العلوم الطبيعية.
ديكارت( 1650 – 1596 ق. م) قد رأى أن الإنسان يولد ولديه أفكار عن الحركة والمكان والمفاهيم أي أن الأفكار الفطرية ليست مشتقة من الخبرة، ولكنها مشتقة من التفكير في الروح على عكس ما أشار إليه جون لوك ( 1637 – 1704 م) وهو أن المعرفة تشتق من الخبرة وليس من الأفكار الفطرية حيث شبه عقل الإنسان بالصفحة البيضاء مما يتيح للخبرة أن تسطر محتواها عليه.
كما ظهر المنهج الارتباطي البريكاني على يد مجموعة من العلماء منهم: جيمس ميل ( 1773 – 1836 م) وهو أن المعرفة تشتق من الخبرة وليس من الأفكار الفطرية حيث شبه عقل الإنسان بالصفحة البيضاء مما يتيح للخبرة أن تسطر محتواها عليه.
كما ظهر المنهج الارتباطي البريطاني على يد مجموعة من العلماء منهم: جيمس ميل( 1773 – 1836 م) وابنه جون سيتورات ميل( 1806 – 1837 م)، الكسندريين( 1813 – 1903 م) وكانت المسلمة الرئيسية في هذا المنهج هي أن المعرفة الإنسانية تتكون نتيجة الارتباط بين عناصر من خلال الخبرة كما أن التقارب في الزمان والمكان هو العامل الأساسي في تكوين هذا الارتباط.
أما نقطة البداية لانفصال علم النفس عن الفلسفة فإنها ترجع إلى العالم الفليسوف فوندت الذي أسس معمله في لينبرج بألمانيا عام 1879 م ورأى أن الطريقة المثلى التي يمكن أن يتدرب بها الفرد على تحليل بنية العقل تتمثل في دراسة الخبرات الحسية من خلال التأمل( منهج الاستبطان) *، والتأمل كما يراه فوندت النظر إلى ما تحويه المعلومات بوعي، كما هو الحال عند التأمل في الحسيات التي يختبرها الفرد عندما ينظر إلى وردة مثلا ً، وبماء على ذلك يقوم الفرد بتحليل مدركاته.
ب- بحوث علماء المدرسة الروسية في الفعل المنعكس الشرطي:
أعتمد كل من شنشنون وبختريف وبافلوف على منهج البحث التجريبي في علوم الفيزياء والفسيولوحي وخاصة الجهاز العصبي المركزي للحيوان للوصول إلى الحقائق النفسية، ورفضوا منهج الاستبطان.
الاتجاه التجريبي:
في مطلع القرن العشرين( 1878 – 1958 م) ظهرت النظرية السلوكية التي كان رائدها عالم النفس الأمريكي واطسون، وقد أوضح أن أي تصورات خاصة بالعقل وكيف يعمل من الداخل هي تصورات غير مقبولة لأنها غير خاضعة للملاحظة والتجريب، وإن مهمة على النفس في رأي واطسون هي دراسة السلوك من داخل الملاحظة المنظمة والتجريب؛ وذلك بهدف الكشف عن القوانين والمبادئ العامة التي يقوم عليها السلوك الإنساني، وبهذا ابعدت النظرية السلوكية الطابع المعرفي عن دراسة العملايت العقلية العليا من إدراك وتذكر وتصور وتفكير وربطت هذه العمليات جميعا ً بمفهوم المثير والاستجابة.
ثم ظهرت سيكولوجية مدرسة الجشطلت في ألمانيا، لإي نفس الوقت تقريباً الذي ظهرت فيه المدرسة السلوكية في أمريكا، ويعتب رماكس فرتيمر بصورة عامة مؤسس النظرية الجشطلتية، وقد انضم إليه في وقت مبكر ولفجانج كوهلر، وكيرت كوفكا، وقد جاءت هذه النظرية كثورة على النظام القائم في علم النفس آنذاك وبوجه خاص على المدرسة الارتباطية وفكرة الارتباط، وقالوا بأن الخبرة تأتي في صورة مركبة فما الداعي إلى تحليلها ثم البحث عما يربطها وإن السلوك لا يمكن رده إلى مثير واستجابة منتقدين بذلك النظرية السلوكية كما نتقدوا أيضا ً نهج الاستبطان، أما” ابنجهاوس” فهو أول عالم تجريبي يطبق مبادئ أو قوانين الارتباط بشكل نظامي، مثل قيامه بعد أخطائه وتسجيل زمن استجابته وتوصل إلى أن التكرار الذي يحدث دوما ً يمكن أن يثبت الترابطات بشكل أكثر ثباتا ً في الذاكرة، وبالتالي يساعد على التعلم.
ويتفق معظم علماء علم النفس المعرفي على أن تحديد ميلاد علم النفس المعرفي هو يوم 11 سبتمبر عام 1956 م حيث عقد عدد من الباحثين البارزين ندوة بمعهد ماسا شوسيتس للتكنولوجيا تناولت محاور مهمة لـ علم النفس المعرفي المعاصر، ثم جاءت نقطة التحول الهامة الثانية من خلال نشر مقال إريك نيسار عام 1967 م بعنوان” علم النفس المعرفي” وقد كان إيقاع التقدم الذي أحرزه علماء علم النفس المعرفي في هذا الاتجاه مدهشاً إلى حد يمكن أن يطلق عليه القورة المعرفية وقد أسهمت عدة عوامل في الاستقطاب الدرامي لاهتمام الباحثين بـ علم النفس المعرفي منها تزايد رفض علماء علم النفس للمنظور السلوكي الذي سيطر على علم النفس الأمريكي لفترة طويلة؛ حتى اللغويون رفضوا مدخل السلوكيين وعلى رأسهم ” تشومسكي” مؤكدا ً على دور العمليات العقلية في اكتساب اللغة كذلك ظهور نظرية حديثة تسمة تجهيز املعلومات على يد كلاود شانون عام 1949 م.
وتعتبر نظرية تجهيز المعلومات ليست نظرية بالمعنى التقليدي لكلمة نظرية، ولكنها مجال من مجالات البحث الذي يعتمد على الرياضيات والهندسة الإلكترونية وعلم النفس الفسيولوجي و الإدراك ـ ـ ـ ـ إلخ، تعتمد على هذه الأمور في حل بعض المشكلات التي تتضمن القياس – والانتقال – واستقبال المثيرات – او الرسائل – أو الاتصال.
وهذا يؤكد على أن الحقائق العلمية التي توصلوا إليها كانت مبرراً قويا ً إلى الانتقال من دراسة الاستبطان إلى دراسة العمليات العقلية المعرفية والكسف عن دور هذه العمليات في رسم ملامح النشاط الإنساني
تأثير بعض العلوم الأخرى في يزوغ نظرية تجهيز المعلومات:
أ- الهندسة البشرية:
ساهمت الحرب العالمية الثانية بطريقة غير مباشرة في تقدم البحوث المعرفية، حيث ظهرت عدة مشكلات كانت بمثابة تحدي للعلماء والباحثين المهتمين بدراسة العمليات المعرفية، وأغلبها كانت ترتبط بمشكلة الطيران، على سبيل المثالأ: تشتت أو توزيع الانتباه وهي مسألة لم يلتفت إليها الارتباطيون، ومن الأمثلة الشهيرة الناتجة عن ذلك حوادث الطائرات التي نشأت نتيجة وجود مقبض الفرامل بجوار مقبض الصعود،
وكان الطيارون عند الهبوط يمدون يدهم فيقبضون على المقبض الخاطئ أي يصعدون بالطائرة وهي في حالة هبوط ونشأت عن ذلك كوارث نتيجة لعدم قدرة الطيار على توزيع انتباهه بين مراقبة الممر وتشغيل الفرامل، ولحسن الحظ تم إجراء حل هذه المشكلة عن طريق إعادة تصميم ضوابط معينة ترتب عليها استخدام الطيار ليديه في القيام بحركات ونشاطات مختلفة تماما ً في كل من حالتي التوقيت وسحب جهاز الهبوط، وقد تطلب العمل في معالجة مثل هذه المشكلات، اقتراح علماء علم النفس المعرفي لأساليب علاجية جديدة خارج نطاق الإجراءات المعلمية المبسطة التي درجوا على استخدامها في دراسة التعلم اللفظي والاهتمام بدلاً من ذلك بتحليل الإدراك والتعرف في مواقف حياتية طبيعية.
ب- هندسة الاتصالات:
وتقوم هندسة الاتصالات على تصميم وإنشاء انظمة ذات كفاءة عالية لنقل المعلومات كما هو الحال في التليفون مثلا ً، وتتم الاتصالات ونقل الرسائل عبر ممرات نسميها قنوات، ولكل قناة قدرة محدودة أي أنها تستطيع أن تنقل كمية معينة من المعلومات في فترة معينة من الزمن، ومنذ الأربعينيات اهتم علماء هندسة الاتصالات بمشكلة القدرة المحدودة للقنوات على نقل الرسائل فمع زيادة الحاجة إلى نقل معلومات أكثر في وقت أقل، اتضح أن الحل لا يكمن في زيادة عدد القنوات، فاتجه المهندسون إلى التفكير في كيفية زيادة سعة وقدرة القنوات الموجودة بأن يزيدوا من كفاءة تشفير المعلومات فتستطيع القناة أن تحمل مزيدا ً منها، وخي رمثال على الوصول إلى” التشفير” شديد الكفاءة هو ما حدث مع ” مورس” عندما قام بتحويل الحروف إلى نقط وشروط ، فكذلك تحول المعلومات من شكل إلى آخر كما يحدث في شفرة” مورس “.
ج- علم اللغة:
من العلوم التي أسهمت في بزوغ نظرية تجهيز المعلومات، علم اللغة فالعناية بدراسة ظةاهر لغوية معقدة يتطلب تفسيرات نفسية جديدة، وهذا ما جعل تشومسكي يطالب بضرورة اقامة بناء نظري في اللغة بديل عن التفسير الارتباطي للغة، وقد أطلق على هذه النظرية النظرية التحويليلة وقد آثار هذا الاتجاه الجديد اهتمام علماء علم النفس المعرفي لقوته وجديته، وكان ذلك بداية لظهور علم النفس اللغوي. وقد اهتم هذا الفرع الجديد من فروع علم النفس بالتركيز على الإمكانات اللغوية الفطرية الموجودة لدى الإنسان ودورة النشط والفعال في ممارسة مختلف النشاط الإنساني التي تؤدي اللغة دورا ً رئيسيا ً فيه.
د- علم الكمبيوتر:
اهتم علماء علم النفس المعرفي بالبحث عن أداة نظرية يمكن من خلالها التمكن من تصور للعمليات العقلية المعرفية المعقدة، وقد تحقق ذلك من خلال الكمبيوتر الذي يمثل نظاماً لتجهيز المعلومات الرمزية وذلك من خلال إمداده بالمعلومات وفق نظام معين، ثم يقوم الكمبيوتر بعملية التشفير، وتحويل المعلومات الواردة إليه إلى شكل قابل للاستخدام، ويعمل بدائرة رقمية الكترونية لاسترجاع العديد من المعلومات، وعلى هذا يمكن النظر إلى كل من الإنسان والكمبيوتر على أنهما نظامان على قدر معين من التماثل لتجهيز المعلومات الرمزية.
وقد أمكن بواسطة هذا التصور العقلي تعديل الكثير مما كتب عن النشاط المعرفي المعقد للإنسان. والذي يحدث خارج حدود وإمكانيات المهام المعملية البسيطة التي اعتمدت عليها النظرية الارتباطية كما أن الكمبيوتر ساعد الباحثين المهتمين بهذا المجال على اختبار جدوة وصدق البرامج والنماذج التي وضعوها لاختبار هذا التصور العقلي ، وفهم كثير من جوانب النشاط المعرفي، وما إذا كانت هذه البرامج والنماذج في حاجة إلى تعديل أم لا.
مما سبق، يرى مؤلف المقال أن الاتجاهات النفسية المتمقلة في اتجاه الخبرة العقلية وبحوث المدرسة الروسية والاتجاه التجريبي من العوامل التي ساهمت في بزوغ نظرية تجهيز المعلومات إضافة إلى تأثير بعض العلوم الأخرى المتملثة في الهندسة البشرية هندسة الاتصالات علم اللغة علم الكمبيوتر – والتي كانت من أهم العوامل والأسباب الحقيقية التي ساهمت بشكل فعال في بزوغ نظرية تجهيز المعلومات ومع ذلك رببما يعتقد البعض أن هذه العوامل تجمعت معا ً وفي زمن واحد فظهرت على أثرها مباشرة هذه النظرية، ولكن لقد استغرق علماء علم النفس المعرفي وقت طويل في الكشف عن هذه النظرية وعانوا الكثير من المشقة والجهد والتفكير في تخيل تلك العمليات المعرفية غير المرئية مثل( الإنتباه – الإدراك – التذكر – التشفير – التفكير – الفهم – الاستدلال – حل المشكلات – التخيل) حتى ظهرت هذه النظرية ومن هنا فلابد أن نلقي الضوء على أوجه التشابه والأختلاف بين الإنسان والكمبيوتر في تجهيز المعلومات ويعزى ذلك إلى أن بعض مصطلحات نظرية تجهيز المعلومات مأخوذة من مصطلخات علم الكمبيوتر ( مدخلات – مخرجات – تجهيز).
لا يوجد تعليقات .