في عصر التكنولوجيا الحديثة والتواصل الرقمي المستمر، أصبح الإنترنت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. ومع ذلك، أدى الاستخدام المفرط وغير المنضبط للإنترنت إلى ظهور ما يُعرف بـاضطراب الإدمان على الإنترنت، وهو حالة نفسية تتسم بفقدان السيطرة على الوقت والجهد المبذول على الأنشطة الإلكترونية، مما يؤثر سلبًا على الجوانب الاجتماعية والنفسية والمهنية للفرد.
تعريف اضطراب الإدمان على الإنترنت
اضطراب الإدمان على الإنترنت[1] هو نمط من السلوك يتسم باستخدام الإنترنت بشكل مفرط أو غير قادر على التحكم به، يؤدي إلى تدهور في الأداء الاجتماعي، الأكاديمي، أو المهني. يشمل هذا الاضطراب الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، الألعاب الإلكترونية، التصفح المستمر، أو مشاهدة المحتوى الرقمي.
لا يزال اضطراب الإدمان على الإنترنت موضوع بحث ونقاش في الأوساط الطبية، ولم يُدرج رسميًا في كل نسخ الدليل التشخيصي (DSM-5) كاضطراب مستقل، لكنه يعتبر ضمن اضطرابات السلوك المتعلقة بالاعتماد على التكنولوجيا.
أسباب الإصابة بالإدمان على الإنترنت
ترتبط أسباب الإدمان على الإنترنت[2] بعدة عوامل متداخلة، تشمل الجوانب النفسية والاجتماعية والبيولوجية، حيث تسهم كل منها في تعزيز التعلّق المفرط بالعالم الرقمي.
أولًا، من الناحية النفسية، يلعب الفراغ العاطفي أو الاجتماعي دورًا بارزًا؛ فالأشخاص الذين يعانون من الوحدة أو الشعور بالانعزال غالبًا ما يلجؤون إلى الإنترنت كوسيلة لإيجاد تواصل بديل يعوّض غياب الروابط الواقعية. كما أن اضطرابات المزاج، مثل الاكتئاب أو القلق، قد تدفع الأفراد إلى استخدام الإنترنت للهروب من الواقع أو تخفيف المشاعر السلبية. إضافة إلى ذلك، فإن انخفاض تقدير الذات يجعل البعض يسعى إلى نيل القبول أو الاعتراف من خلال التفاعلات الرقمية، في ظل شعور بالنقص أو عدم الكفاية في الواقع.
أما من الجانب الاجتماعي، فتلعب البيئة المحيطة دورًا كبيرًا، حيث تُسهّل سهولة الوصول إلى الإنترنت وانتشار الأجهزة الذكية عملية الاستخدام المفرط. كما أدّى ازدياد الاعتماد على التكنولوجيا في مجالات الدراسة، العمل، وحتى الترفيه، إلى تكريس نمط حياة يعتمد بشكل كبير على الاتصال الرقمي. ويُضاف إلى ذلك ضعف الدعم الاجتماعي أو وجود بيئة أسرية مضطربة، مما يفاقم الميل إلى العزلة واللجوء إلى الإنترنت كملاذ بديل.
من الجانب البيولوجي، أظهرت بعض الدراسات أن الإدمان على الإنترنت قد يرتبط بتفاعلات في نظام المكافأة في الدماغ، تشبه إلى حدٍّ كبير تلك التي تحدث في حالات الإدمان الأخرى مثل إدمان المواد أو القمار. هذه التفاعلات تعزز من الشعور بالمتعة والراحة عند الاستخدام، مما يزيد من رغبة الفرد في الاستمرار، ويجعل الانفصال عن الإنترنت أكثر صعوبة مع الوقت.
أعراض اضطراب الإدمان على الإنترنت
أعراض سلوكية
- الاستخدام المفرط للإنترنت لفترات طويلة تتجاوز الخطة أو النية.
- فقدان السيطرة على الوقت الذي يُقضى على الإنترنت.
- تجاهل الواجبات والمسؤوليات العائلية، الاجتماعية، أو المهنية.
- التهيج أو القلق عند محاولة تقليل الوقت المخصص للإنترنت.
- تفضيل التواصل الافتراضي على العلاقات الحقيقية.
أعراض نفسية
- الشعور بالذنب أو القلق بعد الاستخدام المفرط.
- انخفاض المزاج أو الاكتئاب.
- اضطرابات النوم بسبب السهر على استخدام الإنترنت.
- ضعف التركيز والاهتمام.
مقال ذي صلة: الإدمان: أنواعه وطرق علاجه
تشخيص اضطراب الإدمان على الإنترنت
يعتمد التشخيص على المقابلة السريرية مع المريض، وتقييم نمط استخدام الإنترنت ومدى تأثيره على حياة الشخص. يستخدم الأطباء والمعالجون النفسيون مجموعة من المعايير والاختبارات النفسية لتحديد مدى وجود اضطراب الإدمان.
مضاعفات اضطراب الإدمان على الإنترنت
- تدهور العلاقات الاجتماعية والأسريّة.
- ضعف الأداء الأكاديمي أو المهني.
- مشاكل صحية مثل السمنة، آلام الظهر، واضطرابات النوم.
- ظهور اضطرابات نفسية مصاحبة كالقلق والاكتئاب.
- زيادة خطر العزلة الاجتماعية والتراجع في المهارات الاجتماعية.
علاج اضطراب الإدمان على الإنترنت[3]
-
العلاج النفسي
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يركز على تعديل أنماط التفكير والسلوك المرتبطة بالاستخدام المفرط للإنترنت.
- العلاج الأسري: لدعم الأسرة في فهم المشكلة والمشاركة في علاج المريض.
- العلاج الجماعي: لتبادل الخبرات والدعم بين الأشخاص الذين يعانون من نفس الاضطراب.
-
العلاج الدوائي
لا توجد أدوية معتمدة خصيصًا لعلاج اضطراب الإدمان على الإنترنت، لكن في بعض الحالات يمكن استخدام أدوية لعلاج الأعراض المصاحبة مثل القلق أو الاكتئاب.
-
استراتيجيات التعديل السلوكي
- وضع جداول زمنية للاستخدام.
- تنمية الهوايات والأنشطة البديلة.
- تقليل الوصول إلى الإنترنت في أوقات محددة.
الوقاية من اضطراب الإدمان على الإنترنت
للوقاية من الإدمان على الإنترنت، تُعد مجموعة من الإجراءات الوقائية ضرورية للحد من تفاقم المشكلة وتعزيز نمط حياة صحي. تبدأ هذه الإجراءات بـ زيادة الوعي بمخاطر الاستخدام المفرط للإنترنت، من خلال حملات توعوية ومحتوى تعليمي يوضح التأثيرات السلبية النفسية والجسدية والاجتماعية التي قد تنجم عن الإفراط في استخدام الشبكة.
كما يُساهم تعزيز التواصل الاجتماعي والأنشطة الواقعية في تقليل الاعتماد على العالم الرقمي، إذ يساعد الانخراط في العلاقات الحقيقية والمشاركة في فعاليات اجتماعية أو هوايات متنوعة على تلبية الاحتياجات النفسية بشكل صحي.
وإلى جانب ذلك، من المهم تشجيع نمط حياة متوازن يشمل تنظيم الوقت بين العمل أو الدراسة، وممارسة الرياضة، والحصول على قسط كافٍ من النوم، ما يساهم في تحسين الحالة النفسية وتقليل الحاجة للهروب إلى الإنترنت.
أخيرًا، فإن تقديم الدعم النفسي المبكر للأشخاص المعرّضين للخطر، خاصة من تظهر عليهم بوادر الانعزال أو الإفراط في الاستخدام، يمثل خطوة حاسمة في الوقاية والتدخل المبكر قبل أن تتطور الحالة إلى إدمان فعلي.
في الختام
اضطراب الإدمان على الإنترنت هو تحدٍ نفسي وسلوكي متزايد في عالمنا الرقمي. فهم أسبابه وأعراضه، بالإضافة إلى اتباع طرق علاجية مناسبة، يمكن أن يساعد الأفراد على استعادة السيطرة على حياتهم، وتحسين صحتهم النفسية والاجتماعية.
لا يوجد تعليقات .