العلاج السلوكي الجدلي (Dialectical Behavior Therapy – DBT) هو نوع من العلاج النفسي الذي طُوّر في الأساس لمعالجة الاضطرابات النفسية، وخاصة اضطراب الشخصية الحدية، ثم توسع ليشمل العديد من الاضطرابات الأخرى. أسست هذا النوع من العلاج الدكتورة “مارشا لينهان” في الثمانينيات، وتركز في تطويره على دمج عناصر من العلاج السلوكي المعرفي مع ممارسات القبول والتأمل. في مقالنا اليوم سوف نتعرف على هذا النوع من العلاج النفسي أكثره ومكوناته.
مفهوم العلاج السلوكي الجدلي
يعتمد العلاج السلوكي الجدلي[1] على مبادئ “الجدل” التي تعني إيجاد توازن بين قبول الذات والسعي للتغيير. يؤكد هذا العلاج على أن الإنسان قادر على تقبل حالته الحالية بينما يعمل على تحسينها، وهذا هو الأساس الذي ينبني عليه.
يوفر DBT إطارًا متكاملاً لتعليم الأفراد كيفية التعامل مع الأزمات العاطفية، تحسين الاستجابات للأحداث، وزيادة القدرة على ضبط الانفعالات. يعتبر هذا العلاج مفيدًا للأشخاص الذين يعانون من تقلبات مزاجية، تصرفات اندفاعية، وتحديات في التحكم بالمشاعر.
مكونات العلاج السلوكي الجدلي
يتكون العلاج السلوكي الجدلي[2] من عدة مكونات رئيسية تشمل:
- التدريب على المهارات: يتعلم الأفراد مجموعة من المهارات الأساسية لمساعدتهم في تنظيم مشاعرهم وتحسين التواصل مع الآخرين. هذه المهارات تشمل المهارات العقلية (Mindfulness)، تحمل الضغوط، تنظيم المشاعر، والفعالية بين الأشخاص.
- العلاج الفردي: تُجرى جلسات فردية بين المعالج والمريض، وتهدف إلى معالجة السلوكيات غير المرغوبة وإيجاد طرق للتعامل مع التحديات الشخصية. يتم التركيز هنا على تحديد الأهداف وبناء استراتيجيات للتغلب على المشكلات.
- الدعم الهاتفي: يتم تقديم الدعم للمريض خارج الجلسات التقليدية عن طريق التواصل الهاتفي مع المعالج، بحيث يمكن للمريض الحصول على نصائح فورية للتعامل مع التحديات اليومية وتطبيق المهارات التي تعلمها.
- اجتماعات فريق المعالجين: يعمل المعالجون في DBT عادةً في فرق لمراجعة الحالات وتبادل الأفكار والدعم، مما يساعد في تحسين جودة العلاج وتعزيز فعالية المعالجين.
المهارات الأساسية في العلاج السلوكي الجدلي
يعتمد DBT على تعليم مجموعة من المهارات الأساسية التي تُعد ضرورية لتحقيق التوازن العاطفي. وتشمل هذه المهارات ما يلي:
- التركيز الذهني (Mindfulness)
- تحمل الضغوط
- تنظيم المشاعر
- الفعالية بين الأشخاص
استخدامات العلاج السلوكي الجدلي[3]
في البداية، تم تطوير DBT بشكل خاص لمعالجة اضطراب الشخصية الحدية، لكن مع مرور الوقت توسع استخدامه ليشمل مجموعة واسعة من الاضطرابات والحالات النفسية، منها:
- اضطرابات المزاج: يُستخدم DBT لمعالجة تقلبات المزاج الشديدة، حيث يُساعد الأفراد على تنظيم مشاعرهم وتحقيق التوازن العاطفي، وهو فعّال في التعامل مع حالات الاكتئاب والقلق.
- الاندفاعية: يساعد DBT الأفراد الذين يعانون من التصرفات الاندفاعية في التحكم بسلوكياتهم، من خلال التركيز على تحسين مهاراتهم في تحمل الضغوط وتنظيم المشاعر.
- اضطرابات الأكل: يُستخدم DBT أيضًا لمساعدة الأفراد الذين يعانون من اضطرابات الأكل، حيث يُعزز من قدرتهم على التحكم في المشاعر التي تؤدي إلى الأكل القهري.
- إيذاء الذات والانتحار: يُعتبر DBT من أنجح الأساليب المستخدمة في معالجة السلوكيات الانتحارية وإيذاء الذات، حيث يساعد الأفراد على فهم مشاعرهم وطرق التعامل مع الضغوط بطريقة أكثر صحة.
- اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD): يُستخدم DBT كعلاج للأشخاص الذين يعانون من آثار الصدمات، من خلال تقديم الدعم والتقنيات للتعامل مع ردود الفعل العاطفية الناجمة عن تلك التجارب.
فعالية العلاج السلوكي الجدلي
لقد أظهرت العديد من الدراسات فعالية العلاج السلوكي الجدلي في تحسين جودة الحياة وتقليل الأعراض النفسية لمجموعة من الاضطرابات. تشير الأبحاث إلى أن DBT يُعزز من القدرة على التحكم في المشاعر، يزيد من الوعي الذاتي، ويُحسن مهارات التواصل الاجتماعي، مما يؤدي إلى تحسين العلاقات الشخصية وتخفيف التوتر الداخلي.
مقال ذي صلة: العلاج النفسي الديناميكي: أساليبه، مبادئه، استخدماته
خطوات تطبيق العلاج السلوكي الجدلي
يتبع DBT خطوات محددة لتقديم العلاج بطريقة منتظمة، تشمل:
- التقييم الأولي: يتم تحديد الأهداف العلاجية، ومناقشة المشكلات الأساسية التي يعاني منها الفرد، ووضع خطة علاجية مبدئية تعتمد على تحليل السلوكيات الحالية.
- تطوير المهارات: يبدأ الفرد بتعلم المهارات الأساسية في الجلسات العلاجية، ويتم تدريبه على كيفية تطبيقها في حياته اليومية للتعامل مع المواقف الصعبة.
- التطبيق العملي: يُشجع الفرد على استخدام المهارات التي تعلمها في المواقف الحياتية الحقيقية، سواء في التعامل مع الضغوط اليومية أو في العلاقات الشخصية.
- التقييم المستمر: يتم مراجعة تقدم الحالة بانتظام وتحديث الخطة العلاجية حسب الحاجة، لضمان تحقيق أقصى فائدة من العلاج.
في الختام
العلاج السلوكي الجدلي يمثل نقلة نوعية في مجال العلاج النفسي، حيث يوفر أدوات فعالة للتعامل مع المشاعر والسلوكيات التي يصعب السيطرة عليها. من خلال تعلم مهارات التركيز الذهني، تحمل الضغوط، تنظيم المشاعر، والفعالية بين الأشخاص، يمكن للأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية تحسين حياتهم بشكل كبير. DBT ليس مجرد علاج، بل هو أسلوب حياة يساعد الأفراد على بناء علاقات صحية، التعامل مع الضغوط، والوصول إلى حالة من التوازن العاطفي.
الأسئلة الشائعة حول العلاج السلوكي الجدلي
- ما هو العلاج السلوكي الجدلي؟
العلاج السلوكي الجدلي (DBT) هو نوع من العلاج النفسي يجمع بين تقنيات العلاج السلوكي المعرفي ومبادئ القبول والتقبل، ويهدف إلى مساعدة الأفراد على تحقيق توازن بين تقبل الذات وتغيير السلوكيات غير الصحية. طُوّر في الأساس لمعالجة اضطراب الشخصية الحدية، ولكنه يُستخدم الآن لعلاج مجموعة متنوعة من الاضطرابات.
- من يمكنه الاستفادة من العلاج السلوكي الجدلي؟
يمكن أن يستفيد من DBT الأفراد الذين يعانون من اضطرابات الشخصية الحدية، تقلبات المزاج، التصرفات الاندفاعية، اضطرابات الأكل، اضطرابات ما بعد الصدمة، والأفكار الانتحارية. كما أنه مفيد للأشخاص الذين يواجهون صعوبة في التعامل مع مشاعرهم.
- ما هي المهارات الأساسية التي يتعلمها الشخص في العلاج السلوكي الجدلي؟
يتعلم الشخص في DBT أربع مجموعات رئيسية من المهارات: التركيز الذهني (Mindfulness)، تحمل الضغوط، تنظيم المشاعر، والفعالية بين الأشخاص. تساعد هذه المهارات في التحكم بالمشاعر، التعامل مع الضغوط، تحسين التواصل، وبناء علاقات صحية.
- كم تستغرق مدة العلاج السلوكي الجدلي؟
تختلف مدة العلاج السلوكي الجدلي حسب احتياجات كل فرد، ولكن البرنامج الأساسي يستمر عادة لمدة تتراوح بين 6 أشهر وسنة. قد يفضل البعض الاستمرار لفترات أطول لتحقيق نتائج دائمة وتطوير مهارات أعمق.
لا يوجد تعليقات .