الذهان الوجيز هو اضطراب نفسي حاد يتميز بظهور أعراض ذهانية فجائية وقصيرة الأمد، تتضمن تغيرات في التفكير والإدراك والسلوك، مع وجود أوهام وهلاوس، لكنها تستمر لفترة زمنية قصيرة مقارنة بالاضطرابات الذهانية المزمنة مثل الفصام. يتميز الذهان الوجيز بأنه قد يبدأ فجأة وينتهي بسرعة، وعادة ما يعود المريض بعدها إلى حالته الطبيعية السابقة.
تعتبر هذه الحالة من الحالات النادرة نسبياً، لكنها تمثل تحديًا طبيًا ونفسيًا يستدعي التدخل المبكر للتقليل من المضاعفات التي قد تحدث إذا لم يُعالج المريض بشكل مناسب. تعرفنا في هذا المقال على تفاصيل الذهان الوجيز، أنواع هذه الحالة، الأسباب التي تؤدي إليها، أعراضها، طرق التشخيص والعلاج، بالإضافة إلى استراتيجيات الوقاية التي يمكن اتباعها.
مفهوم الذهان الوجيز
الذهان الوجيز[1] هو اضطراب ذهاني تتطور أعراضه بشكل مفاجئ وحاد، وتتميز بوجود خلل مؤقت في قدرة المريض على إدراك الواقع. يمكن أن تتضمن هذه الأعراض أوهاماً وهلاوس، تفكيرًا مشوشًا، وسلوكيات غير طبيعية. لكن ما يميز الذهان الوجيز عن الاضطرابات الذهانية الأخرى هو قصر مدة الأعراض؛ إذ تستمر الأعراض أقل من شهر، وبعدها يعود المريض إلى وضعه السابق من الصحة النفسية.
على الرغم من أن الأعراض تكون حادة وشديدة خلال فترة حدوثها، فإنها لا تستمر لفترات طويلة، ولا تؤدي إلى تدهور دائم في الوظائف النفسية والاجتماعية. ومع ذلك، يحتاج الشخص إلى تدخل علاجي سريع لمنع تطور الحالة أو تكرارها.
أعراض الذهان الوجيز
تظهر أعراض الذهان الوجيز[2] بشكل مفاجئ، وتتميز بشدة الأعراض الذهانية التي تشمل عدة مظاهر رئيسية. أولًا، الأوهام، وهي معتقدات غير صحيحة وغير واقعية يعتقد بها المريض بشدة، مثل الشعور بوجود مؤامرة ضده أو الاعتقاد بامتلاكه قدرات خارقة. ثانيًا، الهلاوس، والتي تتمثل في رؤية أو سماع أشياء غير موجودة في الواقع، مثل سماع أصوات لا يسمعها الآخرون.
تتضمن الأعراض أيضًا اضطرابات في التفكير، حيث يعاني المريض من صعوبة في تنظيم أفكاره، وحديث غير منطقي أو مشتت، بالإضافة إلى صعوبة في التركيز. كما يظهر سلوك غير طبيعي من خلال تصرفات غريبة أو غير متوقعة سواء في الحركة أو في التفاعل مع الآخرين.
يرافق هذه الأعراض حالات من القلق والتوتر، مع شعور بالخوف والارتباك الشديدين. وقد يعاني المريض أيضًا من تقلبات مزاجية تتراوح بين الانفعال والغضب إلى الحزن أو الانسحاب. عادةً ما تكون هذه الأعراض شديدة خلال فترة قصيرة، لكنها تختفي تدريجيًا في العادة خلال أقل من شهر، مع عودة المريض إلى حالته الطبيعية.
أسباب الذهان الوجيز
تتعدد الأسباب والعوامل التي قد تؤدي إلى ظهور الذهان الوجيز، ومن أهمها:
- الضغوط النفسية الحادة: مثل فقدان شخص عزيز، صدمة نفسية، أو مواقف حياتية مرهقة للغاية.
- الاضطرابات الكيميائية في الدماغ: اختلال في التوازن بين الناقلات العصبية مثل الدوبامين قد يؤدي إلى ظهور أعراض ذهانية.
- العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي من الاضطرابات الذهانية أو الفصام يزيد من احتمالية الإصابة.
- الأمراض الطبية: مثل اضطرابات في الغدد الصماء، الالتهابات العصبية، أو اضطرابات في الجهاز العصبي.
- تعاطي المخدرات أو الأدوية: بعض المواد المخدرة أو الأدوية قد تحفز ظهور أعراض ذهانية مؤقتة.
- نقص النوم الشديد أو التعب الجسدي: يمكن أن يكون سببًا في ظهور أعراض ذهانية عابرة.
في بعض الحالات، لا يتم التعرف على سبب محدد، ويظهر الذهان الوجيز فجأة بدون سابق إنذار.
أنواع الذهان الوجيز
الذهان الوجيز يمكن أن يظهر بأشكال وأنماط مختلفة، وتحديد نوعه يساعد في فهم الحالة ووضع خطة علاج مناسبة. الأنواع الرئيسية تشمل:
- الذهان الوجيز التفاعلي
يحدث نتيجة تعرض الشخص لضغط نفسي شديد أو حدث مؤلم، مثل وفاة أو حادث. يتطور الذهان فجأة ويرتبط برد فعل نفسي تجاه الموقف. - الذهان الوجيز العضوي
ينجم عن أسباب طبية عضوية مثل التهاب الدماغ، أمراض المخ، أو تأثير أدوية معينة. تكون الأعراض الذهانية جزءًا من المرض العضوي. - الذهان الوجيز الناجم عن تعاطي مواد
يحدث بسبب تناول المخدرات أو بعض الأدوية التي تؤثر على الجهاز العصبي، مثل الكوكايين أو الأمفيتامينات. - الذهان الوجيز الناتج عن اضطرابات نفسية أخرى
مثل الذهان المصاحب للاكتئاب الشديد أو اضطراب ثنائي القطب.
كل نوع من هذه الأنواع يحتاج إلى تقييم دقيق لمعرفة السبب الأساسي والعلاج المناسب.
مقال ذي صلة: ما هو مرض الذهان وما هي طرق علاجه؟
طرق تشخيص الذهان الوجيز
تشخيص الذهان الوجيز يتطلب تقييمًا شاملًا يجريه الطبيب النفسي أو طبيب الأعصاب، ويشمل عدة خطوات أساسية. يبدأ الأمر بإجراء مقابلة سريرية مفصلة مع المريض، وأحيانًا مع أسرته، لفهم الحالة بشكل أفضل. كما يتم فحص الحالة النفسية للمريض للكشف عن وجود الأوهام والهلاوس.
كما يُجرى تقييم للتاريخ الطبي والنفسي السابق للمريض، مع استبعاد أي أمراض عصبية أو عضوية قد تسبب أعراضًا مشابهة للذهان. يعتمد التشخيص أيضًا على استخدام المعايير التشخيصية المعتمدة، مثل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5).
علاوة على ذلك، تُراقب مدة الأعراض بدقة، حيث يشترط لتشخيص الذهان الوجيز أن تستمر الأعراض لفترة تقل عن شهر. يساعد التشخيص الدقيق في منع الخلط مع اضطرابات أخرى، ويضمن تقديم العلاج المناسب والملائم للحالة.
طرق علاج الذهان الوجيز
عادةً ما يستجيب الذهان الوجيز للعلاج بسرعة، ويشمل علاج الذهان [3]ما يلي:
- العلاج الدوائي
- استخدام مضادات الذهان (Antipsychotics) لتقليل الأوهام والهلاوس. يتم اختيار الدواء والجرعة وفقًا لحالة المريض وشدة الأعراض.
- في بعض الحالات، قد تُستخدم أدوية مضادة للقلق أو مضادات للاكتئاب حسب الحاجة.
- العلاج النفسي
- دعم نفسي لمساعدة المريض على التعامل مع الضغوط النفسية التي قد تكون سببًا للحالة.
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT) مفيد لتصحيح الأفكار المشوشة وتعزيز مهارات التكيف.
- الدعم الاجتماعي والأسري
- تلعب الأسرة دورًا كبيرًا في دعم المريض وتوفير بيئة آمنة تساعد على التعافي.
- إشراك الأسرة في العلاج يمكن أن يقلل من فرص الانتكاس.
- المتابعة الطبية المستمرة
- لضمان استقرار الحالة ومنع تطورها إلى اضطرابات ذهانية مزمنة مثل الفصام.
- متابعة العلاج وضبط الأدوية حسب الحاجة.
طرق الوقاية من الذهان الوجيز
على الرغم من صعوبة الوقاية الكاملة من الذهان الوجيز نظرًا لطبيعة ظهوره المفاجئ، يمكن اتخاذ عدة إجراءات تساعد في تقليل فرص الإصابة به. من أهم هذه الإجراءات إدارة الضغوط النفسية عبر تعلم طرق التعامل مع الضغوط الحادة مثل تقنيات الاسترخاء، اليوغا، واللجوء إلى العلاج النفسي عند الحاجة.
كما تكتسب التوعية النفسية أهمية كبيرة من خلال زيادة الوعي بأهمية الصحة النفسية وضرورة طلب المساعدة عند ملاحظة الأعراض المبكرة أو مواجهة ضغوط نفسية شديدة. وينصح بالابتعاد عن المخدرات والمشروبات الكحولية لأنها قد تحفز ظهور أعراض ذهانية مؤقتة.
الحفاظ على نمط حياة صحي أيضًا يلعب دورًا هامًا، ويشمل ذلك النوم المنتظم، التغذية السليمة، وممارسة الرياضة التي تعزز من صحة الدماغ والجسم بشكل عام. كما يجب المتابعة الطبية الدورية، خاصة للأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من الاضطرابات الذهانية أو الذين يعانون من أمراض مزمنة قد تؤثر على المخ.
وأخيرًا، يعتبر الدعم الاجتماعي من العوامل الأساسية، حيث تساعد شبكة الدعم الاجتماعية القوية في التعامل مع المشاكل النفسية قبل أن تتفاقم وتؤدي إلى مضاعفات أكثر حدة.
في الختام
الذهان الوجيز هو حالة نفسية طارئة ومؤقتة تظهر بشكل مفاجئ وتتميز بأعراض ذهانية مثل الهلاوس والأوهام، لكنها تستمر لفترة قصيرة ثم تختفي مع عودة الشخص إلى وضعه الطبيعي. بالرغم من طبيعة الحالة القصيرة، فإنها قد تكون مقلقة وتتطلب تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا سريعًا لمنع تطورها إلى اضطرابات ذهانية مزمنة.
فهم الأعراض والأسباب وأنواع الذهان الوجيز، إلى جانب متابعة العلاج النفسي والطبي والدعم الاجتماعي، يساعد على ضمان تعافي المريض بشكل كامل. كما أن اتخاذ خطوات وقائية مثل إدارة الضغوط النفسية والابتعاد عن المواد المخدرة، تعزز من فرص الوقاية وتقليل خطر الإصابة.
لا يوجد تعليقات .