في ظل التطورات السريعة والضغوط الحياتية التي يتعرض لها الأفراد في عصرنا الحالي، تكمن أهمية فهم وتقديم الدعم للأشخاص الذين قد يكونون عرضة لتجارب مؤلمة تؤثر على صحتهم النفسية. يُعَدُّ اضطراب الكرب التالي للصدمة (PTSD) من بين تلك التحديات، حيث يترتب عليه تأثيرات عميقة على حياة الأفراد الذين يعانون من هذا الاضطراب.
مع تفاوت خلفيات وتجارب الأفراد، يظهر أن فهم الحساسيات الشخصية وتفاعلاتهم مع PTSD يعتبر أمرًا حيويًا. يمكن للتواصل الفعّال وتوفير الدعم العاطفي أن يساهم بشكل كبير في تحسين رفاهية الشخص المصاب. يتطلب هذا التفاهم تقديم المساعدة بروح من الاحترام والتضامن، مع إبداء الاهتمام الجاد بمشاعر الفرد ومعاناته.
يهدف هذا المقال إلى استكشاف بعض جوانب التعامل مع الشخص المصاب بـ PTSD، وتقديم نصائح فعّالة حول كيفية تقديم الدعم بطريقة فهمية ومساعدتهم في التغلب على التحديات التي قد يواجهونها.
ما هو اضطراب الكرب التالي للصدمة؟
اضطراب الاكتئاب التالي للصدمة (Post-Traumatic Stress Disorder – PTSD) هو الاضطراب الذي غالباً ما يحدث بعد تجربة حدث مؤلم أو مرعب. يمكن أن تشمل الأعراض أفكارًا غير مرغوب فيها، وفجوات زمنية، وكوابيس، وقلقًا شديدًا، وأفكارًا لا يمكن السيطرة عليها حول الحدث. يمكن أن يؤثر بشكل كبير على حياة الشخص اليومية ووظائفه اليومية. يتضمن علاجه عادة العلاج النفسي والإرشاد، وفي بعض الحالات قد يشمل الدواء.
من الجوانب الأساسية التي يجب التركيز عليها هي تشجيع الشخص على التحدث حول تجربته بشكل آمن وداعم، دون فرض أو إلزام. يمكن للتفاهم والصبر أن يسهما في بناء الثقة وتعزيز العلاقة بين الداعم والشخص المتأثر.
ما هي أعراض اضطراب الكرب التالي للصدمة
أعراض اضطراب الاكتئاب التالي للصدمة (PTSD) تتنوع وتشمل:
- الأفكار المتكررة والغير مرغوب فيها (الإدراك المتشدد): قد تظهر أفكار مكررة حول الحدث الصادم، وقد تكون هذه الأفكار مصاحبة لمشاعر قوية من الخوف أو القلق.
- الفجوات الزمنية (ذاكرة الحدث): يمكن أن يعاني الشخص من فجوات في الذاكرة حول تفاصيل الحدث الصادم أو يمكن أن يكون لديه تذكر مفاجئ لتلك التفاصيل.
- الكوابيس والأحلام الكربية: قد يعاني الشخص من كوابيس متكررة تتعلق بالحدث الصادم، مما يمكن أن يؤثر على نوعية نومه.
- اضطرابات النوم: قد يعاني الفرد من صعوبة في النوم (أرق) أو قد يعاني من النعاس الزائد (هيبة).
- الاكتئاب والقلق: يمكن أن يصاحب PTSD الاكتئاب والقلق بشكل شائع، مما يؤدي إلى تأثير سلبي على المزاج العام والحياة اليومية.
- التفاف حول الأماكن أو الأشياء ذات صلة بالحدث: قد يحاول الفرد تجنب الأماكن أو الأشياء التي تذكره بالحدث الصادم.
- التفكير السلبي حول الذات والعالم: قد ينتاب الشخص أفكارًا سلبية حول نفسه والعالم من حوله، وقد يشعر بالتباعد أو الشعور بالذنب.
هذه مجرد أمثلة وقد تختلف الأعراض من شخص لآخر. إذا كنت أو شخص آخر تعاني من هذه الأعراض، فمن المهم البحث عن المساعدة الاحترافية لتقييم ومعالجة الحالة.
أسباب اضطراب الكرب التالي للصدمة
هناك عدة أسباب يمكن أن تسهم في حدوث اضطراب الاكتئاب التالي للصدمة (PTSD)
نذكر منها التالي:
- تعرض لحدث مؤلم أو صادم: يكون وجود حدث مؤلم أو صادم، مثل حادث سيارة، أو حرب، أو اعتداء جسدي، هو السبب الرئيسي وراء حدوث PTSD.
- التعرض للتهديد الشديد للحياة أو الأمان: عندما يعتبر الفرد أن حياته أو أمانه معرضين للتهديد بشكل شديد، يمكن أن يحدث PTSD. قد يشمل ذلك التعرض للعنف، أو التهديد بالقتل، أو تجربة حالة حرب.
- التعرض للإصابة الجسدية أو العقلية الشديدة: الإصابة الشديدة يمكن أن تكون مصدرًا للصدمة النفسية، والتي قد تتطور إلى PTSD.
- فقدان أحد الأحباء: يمكن أن يسبب فقدان شخص عزيز أو تجربة فاجعة مفاجئة PTSD.
- التعرض للعنف الجنسي أو الاعتداء الجنسي: هذه التجارب يمكن أن تؤدي إلى إصابات نفسية خطيرة وتسبب في PTSD.
- الخدمة العسكرية: الأفراد الذين يشاركون في الخدمة العسكرية ويتعرضون للأحداث القتالية قد يعانون من PTSD.
- عوامل أخرى: تعتبر العوامل الوراثية والبيئية والتفاعل بينها عواملًا مساهمة.
يجمع هذه الأسباب على أن التعرض لتجارب قاسية وصادمة هو الجوهر الأساسي لتطور اضطراب الكرب التالي للصدمة.
هل يمكن الشفاء كليا من اضطراب الكرب التالي للصدمة
يمكن أن يحدث الشفاء الكامل من اضطراب الكرب التالي للصدمة (PTSD). العديد من الأشخاص الذين يعانون من PTSD يجدون تحسنًا كبيرًا من خلال العلاج والدعم النفسي. الطريقة التي يتم بها العلاج يمكن أن تختلف وتشمل العلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أو العلاج الحديث الذي يستهدف التحول في الأفكار والتصرفات. يعتبر هذا واحدًا من أكثر أساليب العلاج فعالية لـ PTSD.
قد يستخدم بعض الأشخاص الأدوية للمساعدة في التحكم في الأعراض، وتشمل ذلك مضادات الاكتئاب أو مضادات القلق. الدعم من الأصدقاء والعائلة يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الشفاء، ويمكن أيضًا الانخراط في مجتمع داعم أن يلعب دورًا هامًا.
بالإضافة إلى ذلك، تعلم تقنيات إدارة التوتر والرعاية الذاتية يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على التحسن العام. بعض الأشخاص يجدون الفائدة من التقنيات البدنية مثل اليوغا أو التأمل في إدارة الضغط النفسي.
مع العلاج المناسب والدعم اللازم، يمكن للكثير من الأشخاص أن يحققوا تحسنًا كبيرًا في حياتهم ويعيشوا بدون أعراض قوية لاحقًا.
كيف نتعامل مع الشخص المصاب
التعامل مع شخص يعاني من اضطراب الكرب التالي للصدمة (PTSD) يتطلب فهماً وحساسية خاصة.
فيما يلي بعض النصائح حول كيفية التعامل مع الشخص المصاب:
- كن مستعدًا للاستماع: قد يكون الشخص المصاب يرغب في التحدث عن تجربته، وقد يكون الاستماع إليه بفهم واهتمام هو أحد الطرق التي يمكنك بها دعمه.
- كن حذرًا من التفاصيل الحساسة: تجنب الضغط على الشخص لمشاركة تفاصيل دقيقة حول الحدث الصادم، واتركه يحكم متى وكيف يشارك تلك التفاصيل.
- تجنب إعادة تجربة الصدمة: تجنب إيجاد مواقف أو محادثات تعيد إلى الشخص ذكريات الحدث الصادم بطريقة تزيد من التوتر.
- كن صبورًا: يمكن أن يتطلب الشفاء من هذا الاضطراب وقتاً، فكن صبورًا وقدم الدعم على المدى الطويل.
- عرف علامات الاحتراق: تعرَّف على علامات الإجهاد والاحتراق النفسي، وتحدث مع الشخص المصاب بشكل دوري حول مشاعره وحالته العامة.
- شجعه على البحث عن مساعدة احترافية: قد يكون البحث عن المساعدة من خلال الاستشارة النفسية أو العلاج هو خطوة مهمة نحو التحسن.
- كن مستعدًا لتقديم الدعم العاطفي: قد يحتاج الشخص المصاب إلى دعم عاطفي، وكونك متواجدًا لدعمه قد يكون له تأثير إيجابي.
- حافظ على الحياة اليومية: شجع الشخص على المحافظة على نمط حياة صحي والمشاركة في الأنشطة اليومية التي قد تكون مفيدة للتحسين النفسي.
تذكر أن التعامل مع شخص يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة يتطلب فهمًا وصبرًا، وقد يكون الدعم الذي تقدمه حاسمًا في عملية الشفاء.
في ختام مقالنا
يظهر واضحًا أن التعامل مع الشخص المصاب بـ اضطراب الكرب التالي للصدمة يتطلب فهمًا عميقًا وحساسية كبيرة. من خلال التواصل الفعّال وتقديم الدعم العاطفي، يمكننا أن نكون عونًا لهؤلاء الأفراد في رحلتهم نحو الشفاء. يجب علينا أيضًا التشجيع على البحث عن المساعدة الاحترافية وتوجيه الشخص إلى مصادر الدعم المناسبة.
علينا أن نتذكر أن التحسين لا يحدث على الفور، والصبر والدعم المستمر هما جزء أساسي من العملية. بالتضامن والتفهم، يمكننا أن نلعب دورًا حيويًا في مساعدة الأفراد المتأثرين بـ PTSD على تحسين جودة حياتهم والعيش بشكل أكثر صحة وسعادة.
المصادر:
Post-traumatic stress disorder (PTSD) – Symptoms and causes – Mayo Clinic