اضطراب التواصل الاجتماعي، أو ما يُعرف بـ Social (Pragmatic) Communication Disorder – SPCD، تم إدراجه رسميًا في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) عام 2013 كاضطراب نمائي مستقل. يتميز هذا الاضطراب بصعوبات مستمرة في استخدام اللغة والسلوكيات غير اللفظية ضمن السياقات الاجتماعية، مثل استخدام اللغة بشكل ملائم بحسب الموقف أو فهم المعاني غير المباشرة. غالبًا ما يظهر عند الأطفال بعد سن 4 أو 5 سنوات، ويؤثر بشكل كبير على قدرتهم على التفاعل الاجتماعي والأداء الدراسي. في هذا المقال سوف نتعرف على هذا الاضطراب أكثر، ونتحدث عن أهم طرق علاجه.
مفهوم اضطراب التواصل الاجتماعي
وفقًا لـ DSM-5، يُعرّف اضطراب SPCD [1] بأنه اضطراب في التواصل النطقي غير الناتج عن عوامل جسدية أو طبية، حيث يواجه الفرد صعوبات في:
- استخدام اللغة لتحقيق أهداف اجتماعية (كالتحية أو تقديم طلب).
- تعديل أسلوب الحديث ليتناسب مع المستمع أو السياق.
- الالتزام بقواعد الحوار، مثل تبادل الأدوار أو التنظيم في الكلام.
- فهم الاستدلالات والمعاني الضمنية (مثل الفكاهة أو الاستعارات).
ولا يتم تشخيص الحالة إلا بعد استبعاد اضطراب طيف التوحد (ASD) أو وجود أي خلل لغوي بنيوي واضح.
أعراض اضطراب التواصل الاجتماعي
من أبرز أعراض اضطراب التواصل الاجتماعي[2]:
- صعوبة في بدء أو إنهاء المحادثات بطريقة مناسبة.
- عدم القدرة على تعديل نبرة الصوت أو لغة الجسد بحسب الموقف.
- تجاهل الإشارات غير اللفظية مثل تعابير الوجه أو الإيماءات.
- عدم فهم النكات أو العبارات المجازية أو الاستعارات.
- انسحاب اجتماعي أو شعور بالارتباك في المواقف الاجتماعية.
- تأثير واضح على التحصيل الدراسي أو التفاعل المهني.
الجدير بالذكر أن المصاب بـ SPCD يمتلك في الغالب مفردات لغوية وقواعد نحوية سليمة، لكنه يعجز عن استخدام اللغة بفعالية داخل التفاعل الاجتماعي.
أسباب اضطراب التواصل الاجتماعي
تشير الدراسات إلى أن أسباب SPCD قد تشمل:
- عوامل وراثية: وجود تاريخ عائلي لاضطرابات التواصل أو التعلم.
- عوامل عصبية: تغيّرات في مناطق الدماغ المسؤولة عن معالجة اللغة والتفاعل الاجتماعي.
- عوامل بيئية: نقص في التفاعل اللغوي المبكر، أو بيئة لا تشجع على التواصل.
- اضطرابات مصاحبة: مثل اضطراب فرط الحركة أو تأخر لغوي.
- نقص أدوات التشخيص الدقيقة: مما يصعّب التمييز بين SPCD واضطرابات أخرى مشابهة.
مقال ذي صلة: العزلة الاجتماعية: علاماتها، أسبابها وكيفية التعامل معها – نفسي فيرتول
أنواع اضطراب التواصل الاجتماعي
رغم عدم وجود تصنيفات رسمية في DSM-5، يمكن التمييز بين حالات SPCD سريريًا:
- النوع المتوسط: صعوبات محدودة في فهم اللغة غير الحرفية، مع قدرة على التواصل المقبول.
- النوع الشديد: ضعف عام في كل جوانب التواصل، مع انسحاب اجتماعي ملحوظ.
- النوع المختلط: يترافق مع اضطرابات أخرى مثل ADHD أو تأخر لغوي.
تشخيص اضطراب التواصل الاجتماعي
يعتمد تشخيص اضطراب التواصل الاجتماعي (البراغماتي) على معايير واضحة وردت في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، وتشمل هذه المعايير عدة جوانب أساسية. أولاً، يجب أن تظهر لدى الفرد أربعة أعراض على الأقل تتعلق باستخدام اللغة في السياقات الاجتماعية، مثل صعوبة التكيف مع قواعد المحادثة أو فهم المعاني غير المباشرة. ثانيًا، لا بد من وجود تأثير واضح لهذه الصعوبات على الأداء الأكاديمي أو على القدرة في التفاعل الاجتماعي مع الآخرين.
عادةً ما تبدأ الأعراض في سن مبكرة، لكن من الشائع ألا يتم التعرف عليها بشكل دقيق إلا بعد ملاحظة تأخر في المهارات التطورية أو صعوبة ملحوظة في التواصل مع الآخرين. ومن أجل تأكيد التشخيص، يجب استبعاد وجود اضطرابات أخرى قد تفسر هذه الأعراض، مثل اضطراب طيف التوحد أو التأخر العقلي، لأن بعضها قد يتداخل في المظاهر السلوكية واللغوية.
يعتمد الأخصائيون في عملية التشخيص على أدوات تقييم متخصصة، مثل مقياس CCC (Children’s Communication Checklist) أو مقياس TOPICC، بالإضافة إلى الملاحظة السلوكية الدقيقة والمقابلات السريرية مع الطفل والوالدين أو المعلمين، لتكوين صورة شاملة حول طبيعة التواصل واستخدام اللغة في الحياة اليومية.
طرق علاج اضطراب التواصل الاجتماعي
يشمل علاج اضطراب التواصل الاجتماعي[3] مجموعة متنوعة من البرامج، أهمها:
- علاج النطق واللغة (SLP): لتحسين قواعد الحوار، التواصل غير اللفظي، والتعبير العملي.
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): لمعالجة القلق المرتبط بالمواقف الاجتماعية.
- تدريب المهارات الاجتماعية (SST): تدريبات عملية على التواصل البصري، إدارة الحوار، واستخدام نبرة الصوت.
- التدخل البيئي: إشراك المدرسة والمنزل في الجلسات لمساعدة الطفل على نقل مهاراته للحياة اليومية.
- الدعم الأسري والتعليمي: تعليم الأهل كيفية دعم الطفل اجتماعيًا في كل المواقف.
- الأدوية: لا يُعتبر دواء معينًا علاجًا مباشرًا، لكنها تُستخدم أحيانًا لعلاج الأعراض المصاحبة مثل القلق أو فرط الحركة.
الوقاية من اضطراب التواصل الاجتماعي
رغم أن الوقاية الكاملة من اضطراب التواصل الاجتماعي قد تكون صعبة، فإن التدخل المبكر يُحدث فرقًا كبيرًا في تحسين مهارات الطفل وتقليل حدة الأعراض. يبدأ ذلك بالرصد المبكر لأي صعوبات في التواصل منذ مرحلة ما قبل المدرسة، حيث يمكن ملاحظة تأخر الطفل في استخدام اللغة أو التفاعل الاجتماعي. من المهم أيضًا تعزيز بيئة محفزة للتواصل في المنزل، مثل تخصيص وقت يومي للقراءة والمشاركة في الحوار الأسري، مما يساعد الطفل على تنمية قدرته على التعبير وفهم الآخرين.
في البيئة المدرسية، يُستحسن تقديم دعم مخصص عند الحاجة، مثل تقليل الضغط الأكاديمي أو تعديل المهام بما يتناسب مع قدراته. كما يلعب تدريب الأهل دورًا محوريًا، من خلال استخدام أنشطة اجتماعية مثل القصص التفاعلية وتمثيل الأدوار، التي تساعد الطفل على فهم الإشارات الاجتماعية واستخدام اللغة بشكل ملائم. كلما تم البدء بهذه الخطوات مبكرًا، زادت فرص التكيّف والتواصل الفعّال لدى الطفل.
في الختام
اضطراب التواصل الاجتماعي (SPCD) هو حالة تؤثر على طريقة استخدام اللغة في الحياة الاجتماعية اليومية، مما يؤثر بدوره على العلاقات والتحصيل الأكاديمي. رغم أنه لا يرتبط بالتوحد أو التأخر العقلي، إلا أن صعوباته تفرض تحديات ملحوظة. التشخيص الدقيق والتدخل العلاجي المبكر يمكن أن يساعد الطفل على اكتساب مهارات تواصلية فعالة تعزز من جودة حياته وتفاعله المجتمعي. الدمج بين العلاج اللغوي والدعم النفسي والأسري يعد مفتاحًا للتقدّم، خاصة كلما بدأ التدخل في سن مبكرة.
لا يوجد تعليقات .