ردود الفعل المفرطة : لطالما واجهنا تجارب وصعوبات الحياة، ولكن مع اكتشاف الذات والانغماس في ميزاتها وتفاصيلها وتأصيل نتائج كل هذا في مجال علم النفس، أصبح من السهل معالجة المشكلات وتجاوز العقبات، ولكن لا يزال هناك كثيرون يقاومون ويرفضون الاستفادة من هذا العلم لعدم وعيهم بطبيعته. اسمحوا لي أن أُبسط القضية. لنتحدث عن الأفراد الذين مروا بتجارب مؤلمة دون أن تكون لديهم السماكة النفسية للخوض في الأمر، سأحثك على تصور سيناريو تصارع فيه أنت أو فرد عزيز في حياتك مع جرح حساس يتسم بالكرب الشديد ويشعرك بالحرج المستمر، دون شك ستكون الاستجابة الغريزية، تحمل الآلم وكتمه وإخفاء ذلك الجرح عن أعين الناس.
لكن للأسف، واقع الوجود يفرض حدوث تعاملات معينة، مما قد يعرض الأخرين إلى الاحتكاك بالجرح، غافلين عن الألم الذي يسببونه وإدراكهم المحدود للأمر يجعلهم فقط يرون الاستجابات العاطفية الشديدة والتي قد تبدوا من وجهة نظرهم أنها مفرطة وغير مبررة. تبع لذلك، تنشأ لدى الشخص المصاب رغبة ملحة بالاندماج بالأعراف المجتمعية وتجربة ما يشبه الحياة الطبيعية، فيلجأ إلى إستراتيجيات التخدير سواء كان ذلك من خلال تعاطي المخدرات او استهلاك الكحول او الانشغال المستمر، آليات المواجهة هذه بطبع توفر عزاءًا مؤقتًا إلا انها تعيق التئام الجرح وقد تكون سببا في تفاقم الأمر.
ملاحظة هامة حول مقال الألم الخفي، ردود الفعل المفرطة : النضال الصامت للناجين من الصدمات
أحد المكونات الحاسمة لعملية الشفاء هي الاعتراف بأن الحساسية المفرطة والاستجابات العاطفية العنيفة المصاحبة لها لا تشكل عيوبًا متأصلة في الشخصية، بل تمثل صرخات استنجاد وتنحصر تحت إطار ردود الفعل المشروعة كحل مؤقت للتعامل مع أحداث الماضي الصادمة. تحويل التركيز من أوجه القصور الشخصية إلى الفهم الرحيم لتجارب الأفراد الذين يعانون من صعوبات في التأقلم يُسهل الخوض في عملية الشفاء، وبطبيعة الحال يحدث الشفاء الأمثل عندما يُمنح هؤلاء الأفراد بيئة آمنة تمكنهم من ومواجهة تعقيدات جروحهم ومن ثم استدعاء الشجاعة والكشف عن الطبقات المعقدة التي تم تجاهلها لفترات طويلة، حينها فقط يمكن أن تبدأ عملية الشفاء بجميع مراحلها بشكل جدي.
رسالتي لمن يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة:
احتضان طريق الشفاء:
على الرغم من أن الرحلة قد تبدو شاقة، تذكر أن الشفاء والتعافي ممكنان. كل خطوة إلى الأمام، مهما كانت صغيرة، مهمة. احتفل بتقدمك وكن صبورًا مع نفسك أثناء الانتكاسات. تذكر أن لديك القوة بداخلك للتغلب على التحديات التي تواجهها.
اقبل الدعم وتعلم كيف تطلبه:
تواصل مع الأصدقاء أو العائلة أو مجموعات الدعم الموثوق بهم الذين يمكنهم توفير مساحة رحمة وتفاهم. شارك تجاربك ومخاوفك وانتصاراتك مع الآخرين الذين واجهوا صراعات مماثلة. ضع في اعتبارك طلب المساعدة المهنية من معالج متخصص في اضطراب ما بعد الصدمة، والذي يمكنه توجيهك في تطوير آليات التأقلم الفعالة وتقديم الدعم الذي تحتاجه.
مارس الرعاية الذاتية والتعاطف مع الذات:
امنح الأولوية للرعاية الذاتية ورعاية رفاهيتك. انخرط في الأنشطة التي تجلب لك السعادة وتعزز الاسترخاء. خذ وقتًا في التأمل الذاتي أو كتابة اليوميات أو إلجاء لإحدى المنافذ الإبداعية التي تسمح لك بالتعبير عن نفسك حتى وإن لم تجربها من قبل. عامل نفسك باللطف، مع الاعتراف بأن الشفاء يستغرق وقتًا ولا بأس أن تمر بلحظات من الضعف.
وعلى صعيد مقارب، يمثل العيش أو الاحتكاك والتعامل المستمر مع شخص مصاب باضطراب ما بعد الصدمة أمرا صعبا يخلق بشكل مستمر تحديات فريدة. في الفقرات التالية، سنناقش بعض الخطوات العملية التي يمكن أن تساعد في تحسين الوضع وتعزيز الشعور بالهدوء والرفاهية وتفعيل أساسيات القوة النفسية لكل من الأفراد المعنيين. من خلال تنفيذ هذه الاستراتيجيات، يمكنك المساهمة في الرفاه العام والتعافي لأحبائك المصابين باضطراب ما بعد الصدمة.
ثقف نفسك حول اضطراب ما بعد الصدمة:
يعد فهم الأعراض والمحفزات والتحديات المرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة أمرًا ضروريًا في تقديم الدعم الفعال. ثقّف نفسك بشأن الاضطراب بقراءة مصادر موثوقة أو حضور مجموعات دعم متخصصة أو طلب إرشادات عملية من أخصائي أو مقدم رعاية محترف. ستمكنك هذه المعرفة من التعاطف مع تجارب أحبائك والاستجابة بشكل مناسب مع تقديم العون الصحيح الذي سيكون بمثابة طوق نجاة بالنسبة لهم.
التواصل بصراحة واحترام:
أنشئ قنوات اتصال مفتوحة وصادقة مع أحبائك الذين يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. شجعهم على التعبير عن مشاعرهم واهتماماتهم، واستمع دون حكم. تجنب التقليل من أو إبطال تجاربهم. احترم حدودهم وامنحهم مساحة عند ما يوضحون لك انهم بحاجة لذلك. التواصل الواضح والعاطفي يعزز الثقة ويعزز الشعور بالأمان.
خلق بيئة هادئة ومنظمة:
يمكن أن يساعد الحفاظ على بيئة هادئة ومنظمة في تقليل المحفزات وتقليل الضيق الذي يعاني منه شخص مصاب باضطراب ما بعد الصدمة. أنشئ إجراءات وجداول زمنية يمكن التنبؤ بها لان ذلك من شأنه ان يوفر إحساسًا بالاستقرار. قم بإنشاء مساحة مادية مريحة وآمنة، مع ضمان خلوها من الضوضاء المفرطة أو الفوضى أو التذكيرات بالأحداث الصادمة.
مارس الرعاية الذاتية:
إن الاعتناء بنفسك أمر بالغ الأهمية عند دعم شخص محبوب مصاب باضطراب ما بعد الصدمة. انخرط في أنشطة الرعاية الذاتية التي تعزز رفاهيتك وقوتك النفسية وتعلم كيف تدير التوتر. إذا شعرت بالضغط لا تتردد في طلب المساعدة. اطلب الدعم من الأصدقاء أو العائلة أو مجموعات الدعم المتخصصة لمشاركة خبراتك واكتساب رؤى قيمة من تجارب الأخرين. ولا تشعر بالذنب أو التقصير لأنك تأخذ بعض الوقت لنفسك، تذكر أنه يمكّنك بعدها تقديم دعم أفضل لمن تحب بالرحمة والصبر.
شجع استراتيجيات التأقلم الصحية:
ساعد الشخص الذي ترعاه على تطوير استراتيجيات التأقلم الصحية والانخراط فيها للسيطرة على أعراضه. شجع على ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والتي يمكن أن تقلل من القلق وتحسن المزاج العام. ادعمهم اثناء ممارسة تقنيات الاسترخاء، مثل التنفس العميق أو التأمل. استكشف الأنشطة التي تجلب لهم البهجة وتسمح لهم بالتعبير عن الذات، مثل الفن أو الكتابة أو الموسيقى وشجعهم على ممارستها بشكل دوري.
طلب المساعدة:
إن لم يحقق كل ما سبق نتائج مفيدة، شجع أحبائك الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة على البحث عن معالج متخصص في علاج الصدمات واضطراب ما بعد الصدمة. يمكن أن يوفر العلاج أدوات وتقنيات قيمة لإدارة الأعراض والعمل من خلال تفكيك التجارب المؤلمة وتخفيف حدتها. اعرض عليهم مرافقتهم إلى المواعيد إذا كان ذلك يشعرهم بالراحة، وكن داعمًا طوال رحلة الشفاء.
الخلاصة من مقال الألم الخفي، ردود الفعل المفرطة : النضال الصامت للناجين من الصدمات
يمكن أن يكون التعايش مع اضطراب ما بعد الصدمة رحلة صعبة لكل من الفرد الذي يعاني منه ولمقدم الرعاية فالطريق نحو الشفاء ليس دائمًا سلس، لكنه يستحق. لذلك من الضروري أن نتذكر أن هناك أملًا وإمكانية للمضي قدمًا. يتوجب علينا التأكيد على أهمية المرونة والنمو في مواجهة الشدائد. وأخيرا لصاحب المعضلة، احتفل بالرحلة واحتفل بكل خطوة إلى الأمام ولا تغفل عن الأمل الذي يكمن في داخلك. يمكنك التغلب على تحديات اضطراب ما بعد الصدمة والشروع في طريق النمو والتعافي والرفاهية المتجددة.
[…] طريق نحو مستقبل أكثر إشباعًا وثقة. لا يمكن التوفيق بين الصدمات النفسية، ولا سيما في سياق الاعتداء الجسدي أو الاعتداء الجنسي […]