تعالوا معًا نسأل أنفسنا سؤالًا بسيطًا لكنه عميق:
– هل نعرف حقًا ما معنى الاحتواء؟
– هل توقفت يومًا أمام المرآة وسألت نفسك: هل أنا مُحتوَى؟
– هل شعرت يومًا أن هناك من يفهمك، من يطمئنك، من يحتضنك معنويًا؟
– وهل اعتذرت لنفسك يومًا لأنك لم تتعلّم كيف تحتويها كما تستحق؟
– وهل فكرت: هل احتويت نفسي يومًا كي أتمكن من احتواء الآخرين؟
الاحتواء ليس مجرد كلمة أو سلوك عابر، بل هو موقف وحياة… وهو البداية لكل علاقة صحية تبدأ من داخلنا قبل أن تصل للآخرين
الاحتواء ليس مجرد مصطلح، بل هو مفتاح اساس لبناء مجتمع متساو ويضمن الفرص للجميع دون استثناء ويبدأ هذا الاحتواء من أول لبنة في المجتمع
الاسرة / حيث نزرع بذور القبول والتفاهم فالاحتواء داخل الاسرة هو العمود الاساسي لبناء علاقات صحية ومستقرة بين افرادها ان يشعر كل فرد انه مقبول ومفهوم دون احكام وان يمنح الدعم العاطفي والنفسي في كل الظروف ثم يمتد الي
المدرسة والجامعة / ذلك الاحتضان الذي يشكل الشخصية ويرسخ قيم التعاون والاحترام
والاحتواء داخل المدرسة او الجامعة يعني توفير بيئة تعليمية آمنة وداعمة للجميع بما يعزز شعور الكل بالانتماء وتلبية الاحتياجات العاطفية والاجتماعية وعندما ينتقل الفرد الي
العمل / يصبح الفرد هنا يحتاج الي الاحتواء لضمان بيئة تحقق الانتاجية والابداع للمجتمع
والاحتواء في العمل يعني توفير دعم نفسي ومعنوي للموظفين وخلق بيئة تشجع التفاهم والابداع للنهوض بالمجتمع ككل.
تعريـــف الاحتــــواء
الاحتواء هو توفير بيئة داعمة وشاملة تضمن تقبّل الاختلافات وتعزيز الفرص المتساوية للجميع، مع التركيز على التفاعل الإيجابي وتمكين الأفراد من المشاركة الفعّالة في المجتمع.
وهو مفهوم أساسي يرتبط بكيفية استيعاب الفرد لمشاعره
والتعامل مع الصراعات النفسية والداخلية والخارجية
أسبــاب الاحتـــواء
1. تعزيز الثقة بالنفس.
2. تنمية الشعور بالانتماء للمجتمع.
3. توفير بيئة داعمة لنموه العقلي والعاطفي.
4. تحسين مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي.
5. المساهمة في بناء شخصية متوازنة وقادرة على التكيف مع التحديات.
6. خلق شخصية سوية خالية من اي امراض نفسية
7. تنمية الشعور بالانتماء للأسرة كمجتمع صغير.
آثــار غيــاب الاحتــواء:
1. في الأسـرة:
* ضعف الثقة بالنفس.
* تنامي الشعور بالعزلة وعدم الانتماء.
* تأخر في النمو العاطفي والاجتماعي.
2. في المدرسـة والجامعة:
* صعوبات في تكوين صداقات أو التفاعل مع الزملاء.
* تدني الأداء الأكاديمي نتيجة لغياب الدعم.
* احتمالية التعرض للتنمر أو التهميش.
* صعوبة التكيف مع بيئة جديدة مليئة بالتنوع.
* نقص المشاركة في الأنشطة الجماعية.
* فقدان فرص للتطور الشخصي والمهني.
3. في العمـــل:
* انخفاض الإنتاجية والإبداع.
* صراعات داخل بيئة العمل نتيجة سوء التفاهم.
* تزايد معدلات الإرهاق الوظيفي أو الاستقالة.
قصة حقيقية: مريم والاحتواء الغائب
مريم امرأة في منتصف الأربعينات من عمرها، من يراها يظن أنها قوية وقادرة، لكنها في أعماقها تحمل جرحًا لم يلتئم منذ طفولتها. لم تتربَّ مريم في بيت يَعرف معنى الاحتواء. والدها كان حاضرًا بجسده، غائبًا بقلبه، منشغلًا بلقمة العيش. ووالدتها، المثقلة بالمسؤوليات، لم تعرف كيف تمنحها الدفء أو تستمع إليها. كلما بَكَت، سمعَت عبارة: “اصمتي… لا تكبّري الأمور.” وكلما طلبت دعمًا، قيل لها: “كوني قوية، لا أحد يحتاج إلى دموعك.” كبرت مريم بجوع عاطفي لم يروه أحد. وحين تزوجت، اعتقدت أن الزواج سيكون بداية جديدة، وأنها أخيرًا ستجد حضنًا يحتويها. لكنها فوجئت أن زوجها يشبه أسرتها في برود المشاعر. كان مسؤولًا وملتزمًا، لكنه لم يعرف كيف يكون قريبًا منها، ولم يمنحها الكلمة الطيبة أو الإصغاء الذي كانت تفتقده. ومع مرور السنين، تراكم الجفاف داخلها. صارت تنفجر غضبًا على زوجها لأسباب بسيطة، وتبكي في الليل بلا سبب واضح. ومع أبنائها، عاشت صراعًا داخليًا مريرًا: فهي تحبهم من قلبها، لكنها لم تتعلم كيف تُظهر هذا الحب أو تحتضنهم. مرات كثيرة وجدت نفسها قاسية معهم، أو منسحبة عنهم، ثم تغرق في شعور عميق بالذنب.
الأزمات توالت: خلافات زوجية بلا حلول، مسافة عاطفية بينها وبين أبنائها، وإحساس دائم بالوحدة حتى وهي بين أسرتها. أدركت مريم، متأخرة، أن ما تعانيه ليس وليد اللحظة… بل هو امتداد لغياب الاحتواء منذ طفولتها، جرح قديم حملته معها إلى بيتها الجديد دون أن تشعر. واليوم، مريم تقف عند مفترق طرق: إما أن تستسلم للفراغ العاطفي وتورِّثه لأولادها، وإما أن تكسر الحلقة، وتبدأ رحلة جديدة لتعلّم نفسها وأهلها معنى الاحتواء الذي لم تعرفه يومًا.
الآثار النفسية على مريم:
1- ضعف تقدير الذات: دائمًا تبحث عن تأكيد قيمتها من الآخرين.
2- الشعور بالوحدة المزمنة: رغم وجودها وسط زوج وأبناء.
3- القلق والاكتئاب: نوبات بكاء وغضب داخلي دون سبب ظاهر.
4- صعوبات في التعبير عن المشاعر: جفاف عاطفي مع أبنائها وزوجها.
5- اضطراب في العلاقات الأسرية: خلافات مستمرة مع الزوج، مسافة بينها وبين أبنائها.
6- إحساس بالذنب: لأنها غير قادرة على إعطاء ما لم تتلقه في طفولتها.
7- خوف من التكرار: خوف عميق أن يعيش أبناؤها نفس الحرمان العاطفي الذي عاشته.
الدروس المستفادة من القصة
1- غياب الاحتواء في الطفولة لا يختفي بمرور الزمن، بل يكبر مع الفرد ويؤثر على كل مراحله.
2- الاحتواء ليس رفاهية بل أساس للعلاقات الصحية، سواء داخل الأسرة أو في العمل أو في المجتمع.
3- ما لم يُعالَج يُعاد إنتاجه: مريم كادت تكرر نفس الغياب مع أبنائها لأنها لم تتعلم الاحتواء في طفولتها.
4- الوعي هو بداية التغيير: إدراك مريم أن مشكلتها الأساسية في غياب الاحتواء، هو أول خطوة نحو كسر الحلقة.
5- كلمة طيبة أو حضن صادق قد تصنع فرقًا: الاحتواء البسيط قادر أن يمنح الأمان ويغيّر مصير إنسان.
فوائـد الاحتـواء عبـر المراحـل المختلفـة
1. في الطفولة المبكرة (داخل الاسرة)
* تعزيز الشعور بالأمان والاستقرار النفسي.
* دعم النمو العاطفي والاجتماعي.
* بناء ثقة الطفل بنفسه وتشجيع الاستقلالية.
2. في الطفولة المتوسطة (المدرسة):
* تحسين التفاعل الاجتماعي والقدرة على تكوين صداقات.
* تطوير مهارات التعلم والتعاون مع الآخرين.
* زيادة الدافعية للإنجاز والتفوق الأكاديمي.
3. في مرحلة المراهقة وسن الشباب
* تقوية الشعور بالانتماء والهوية الشخصية.
* توفير بيئة داعمة لتجاوز تحديات المراهقة.
* تعزيز التواصل الإيجابي مع الأسرة والأصدقاء
* زيادة فرص النجاح في الدراسة والعمل.
* تعزيز الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرارات.
* دعم القدرة على بناء علاقات صحية ومستدامة.
علاقـة الاحتـواء بالصحـة النفسيـة
الاحتواء يلعب دورًا جوهريًا في تعزيز الصحة النفسية للأفراد. فهو يوفر بيئة آمنة وداعمة تسهم في تقليل مشاعر القلق والتوتر، وتعزز الشعور بالانتماء والتقدير.
الاحتواء يساعد على بناء علاقات إيجابية، مما يدعم الاستقرار النفسي ويحد من خطر الاكتئاب والعزلة. كما يُمكّن الأفراد من التعبير عن مشاعرهم واحتياجاتهم بحرية، مما يسهم في تعزيز الثقة بالنفس والقدرة على مواجهة التحديات.
وغياب الاحتواء قد يكون عاملاً مؤثرًا في ظهور أو تفاقم الأمراض النفسية مثل القلق، الاكتئاب، واضطرابات الشخصية.
الأشخاص الذين لا يجدون بيئة داعمة يشعرون بالعزلة والتهميش، مما يزيد من احتمالية تعرضهم للضغط النفسي. من ناحية أخرى، وجود الاحتواء يقلل من حدة هذه الأمراض عن طريق توفير الدعم العاطفي والاجتماعي الذي يعزز الشعور بالأمان والتقدير. كما يساعد على التعامل مع الضغوط ويقلل من مخاطر الانهيار النفسي.
علاقة الاحتواء بالأمراض النفسية
- . الاكتئاب: نتيجة الاحساس بالوحدة او عدم الفهم
- . اضطرابات الشخصية: زي اضطراب الشخصية الحدية والنرجسية
- . القلق: بسبب غياب الامان النفسي
- . الادمان: كنوع من الحث عن بديل للأمان النفسي
- الاضطرابات السلوكية والعدوانية عند الاطفال والمعاقين
يعتبر الاحتواء هو خط الدفاع الاول ضد الامراض النفسية داخل كل اسرة.
علاقة الاحتواء بالحضن
الحضن يلعب دورا هاما في محاربة الامراض النفسية فهو يعتبر الوسيلة القوية لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات من خلال التأثير المباشر على الحالة العاطفية والجسدية بين فراد الاسرة ويشكل الحضن ب
تقليل القلق والتوتر
زياد الشعور بالأمان والقبول تعزيزا الروابط الاسرية
التخفيف من المشاعر السلبية تعزيز تقدير الذات والثقة بالنفس تحفيز النوم الجيد وتقليل الارق الاحساس بالأمان.
فــن تطبيـق الاحتـواء عبـر مراحـل الفـرد:
1. في الطفولة المبكرة:
* تخصيص وقت للعب والتفاعل مع الطفل.
* التعبير عن الحب والدعم بشكل مستمر.
* تقبّل اختلافات الطفل واحترام احتياجاته الفردية.
2. في الطفولة المتوسطة (المدرسة والجامعة)
* تشجيع الطفل على التفاعل مع زملائه وتكوين صداقات.
* تقديم الدعم الأكاديمي والعاطفي عند الحاجة.
*إشراك الطفل في الأنشطة الجماعية لبناء مهارات التعاون.
* توفير مساحة آمنة للحوار ومشاركة الأفكار.
* تقبّل تغيرات المراهق ودعمه في بناء هويته الشخصية.
* تعزيز الثقة بالنفس من خلال توجيهه نحو اتخاذ قرارات مسؤولة.
3. في سن الشباب (العمل )
* دعم تطلعات الشباب الأكاديمية والمهنية.
* توفير بيئة عمل أو دراسة مشجعة على الابتكار والتعبير.
* تعزيز العلاقات الصحية من خلال احترام الاستقلالية والتعاون.
نسب انتشار مشكلة غياب احتواء منذ الطفولة داخل الأسرة:
1. الإحصــاءات العالميــة:
تشير الدراسات إلى أن ما بين 20-30% من الأطفال عالميًا يعانون من نقص الاحتواء العاطفي داخل الأسرة.
* مصدر: تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف).
2. فـي العالـم العربـي:
دراسة أجرتها منظمة الصحة النفسية العربية (2020) أظهرت أن:
* حوالي 35% من الأطفال العرب يعانون من نقص الاحتواء العاطفي.
* تزيد النسب الفقيرة الي 50%
3. فـي البيئـات المضطربـة:
الأسر التي تواجه تحديات مثل الطلاق، الفقر، أو النزاعات العائلية، تعاني من نسب أكبر لغياب الاحتواء، قد تصل إلى 60%.
آثـار غياب الاحتواء على الصحة النفسية
1. الاضطرابـات النفسيـة:
غياب الاحتواء يزيد من خطر القلق والاكتئاب واضطرابات فرط الحركة ونقص الانتباه. لشعور الفرد بالإهمال والتهميش وزيادة التوتر والقلق وشعوره بالضغط المستمر.
2. صعوبـة بنـاء علاقـات وضعف التواصل الاجتماعي
يؤدي إلى انعدام الثقة بالنفس والتعلق غير الآمن وايضا الشعور بالعزلة وعدم الانتماء مما يؤثر بالسلب علي علاقته بمن حوله.
3. مشاكــل في السلــوك:
الذين يفتقرون إلى الاحتواء منذ الصغر يميلون إلى التصرفات العدوانية أو الانطواء وانخفاض بالثقة بالنفس.
4. تأثيــرات طويلــة المــدى:
ظهور مشاكل مثل الإدمان أو اضطرابات الشخصية، خاصة عند غياب الاحتواء لفترات طويلة وبعض الامراض النفسية كاضطراب الشخصية الحدية والوسواس القهري والقلق والاكتئاب واضطراب ثنائي القضب والسيكوباتيه.
أبرز الأبحاث والكتابات التي تناولت موضوع الاحتواء في علم النفس
1. ميلاني كلاين ونظرية التحليل النفسي:
تمت ترجمة بعض أعمال ميلاني كلاين إلى العربية، مثل كتاب الحسد والامتنان (Envy and Gratitude)، والذي يناقش دور الأم في احتواء الطفل من خلال تفاعلاتها النفسية معه وكيفية تعامل الطفل مع القلق والتهديدات النفسية وركز على علاقة الطفل بأمه.
2. نظرية التعلق لجون بولبي:
تم ترجمة العديد من كتب بولبي، مثل التعلق والانفصال، حيث يناقش دور الاحتواء في تعزيز التعلق الآمن للأطفال.
وقد طور مفهوم الاحتواء وسلط الدور على قدرة الام علي استيعاب مشاعر القلق والغضب واعاده تقديمها بطريقة منظمة.
3. كتاب التحليل النفسي والعلاج النفسي:
تأليف: مصطفى زيور
يتناول زيور في هذا الكتاب مفاهيم التحليل النفسي ومنها دور الاحتواء العاطفي في العلاقات العلاجية.
4. دراسات عربية في الإرشاد النفسي:
بحث: “دور الاحتواء في تحسين جودة العلاقة بين المعلم والطالب في المدارس”
دراسة عربية حديثة تركز على بيئة التعليم.
5. العلاج السلوكي الجدلي في الأدبيات العربية:
تم تقديم أبحاث عربية تتناول كيفية تدريب المرضى على احتواء مشاعرهم من خلال تقنيات DBT.
فالاحتواء ليس مجرد ممارسة عابرة، بل هو حجر الأساس لبناء مجتمع متساوٍ يعكس قيم العدالة والاحترام. عندما نحتوي أفرادنا منذ الطفولة المبكرة وحتى الشباب، فإننا نؤسس لمجتمع يزدهر بتنوعه، ويمنح كل فرد فيه فرصة لتحقيق ذاته والمساهمة في بناء المستقبل. الاحتواء ليس خيارًا، بل ضرورة أخلاقية وإنسانية تعزز قوة المجتمع وتضمن استمراريته. فلنجعل الاحتواء نهجًا نعيشه وننقله للأجيال القادمة، لأن بناء مجتمع متساوٍ يبدأ باحتضان كل فرد فيه.
وفي ختامه
قال تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)
وهذه الآية تلخص كل اللي اتكلمت فيه بتعامل بالحسن واللين واللطف مع الناس عموما وبالأولي داخل الاسر واحتواء ابنائها
المراجــــع:
* تقرير اليونيسيف (2021)
* دراسة APA حول الصحة النفسية للأطفال (2020)
* منظمة الصحة النفسية العربية (2020.
لا يوجد تعليقات .