يَبِرُزُ اضطراب الوسواس القهري كواحد من أكثر التحديات النفسية تعقيداً التي يمكن أن يواجهها الإنسان، حيث يسافر هذا الاضطراب بين أروقة العقل، مخلفاً وراءه سلسلة من الأسئلة والألغاز التي تستدعي الفهم والتأمل. بينما تبقى الحياة مستمرة بكل تدفقاتها وتحولاتها، يجد الأفراد أنفسهم في مواجهة مع ضيف غير مرغب فيه، يحاولون التعامل معه بكل ما أوتوا من قوة وصبر.
في هذا السياق، تكمن أهمية البحث والسعي وراء فهم أعمق لهذا الاضطراب، ليس فقط كخطوة نحو التعافي ولكن أيضاً كجزء من رحلة الإنسان نحو التواصل مع ذاته وتحقيق التوازن الداخلي.
مفهوم اضطراب الوسواس القهري
اضطراب الوسواس القهري هُو نوَعٌ من أنواع اضطراب القلق الرهابي، أعراضه الأولوية هي الأفكار والأفعال الوسواسية التي يتبعها الشخص بشكل إلزامي، ومن الجدير بالذكر أن أعراض الوسواس القهري تتكرر باستمرار، فتؤدي الى شعور كبير بالقلق أو المعاناة، ويتسم الوسواس القهري بتخاطر الأفكار والأفعال الوسواسية المفرطة وغير الحقيقية.
والوساوس الشائعة بصورة كثيرةٍ هي الخوف من التنجس والخوف من العدوى والشك القهري، فربما يكون الشخص خائفا باستمرار من عدم النظافة أو الإصابة بأحد الأمراض المعدية، وأيضا يكون خائف دائما من التسبب في حوادث خطيره ، مثل إطلاق النار عمل حادث في السياره .
ان الشخص الذي يَشْعٌرٌ بحاجة شديدة التزام باشياء محددة على سبيل المثال : يريد دائمًا أن تكون الأشياء الخاصة به في ترتيب معين بالإضافة إلى حدوث الأحداث في أوقات معينة، وإلا سيكون عرضة للقلق، وربما تظهر الأفكار الوسواسية على شكل اهتمام مستمر بالصحة الشخصية أو تكرار بعض الكلمات أو الصور والأفكار الجنسية المؤلمة التي تخطر على البال بصورة غير مرغوب فيها.
الأفعال القهرية النمطية الأكثر شيوعًا هي التدقيق وغسل الأيدي أو الجسم كثيرًا، مثال على ذالك: قد يتحقق الشخص الذي يعاني من الوسواس القهري من إيقاف تشغيل ماكينة صنع القهوة عشرات المرات، وتشمل الأفعال الأخرى غسل اليدين بصورة متكررة أو غير ذلك غسل الجسم في كثير من الأحيان بدرجة غير عادية.
كما يدقق كثيرٌ من الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري [1] بامور بسيطة مثال على ذالك يتذكر أن المصباح مثلاً، لم يتم ايقاف تشغيله وبالرغم من ان يوجد امور هامة جدا يجب ان يجريها الا ان بغض النظر عن ذلك لا يمكنه أن يتوقف عن التفكير في المصباح كثيرًا، وعادة ما تنتشر الوساوس المعتدلة بين الأطفال والمراهقين بصورة خاصة.
ولكن أعراض الوسواس القهري الأكثر شيوعًا تستغرق وقتا طويلا مما يجعل الحياة اليومية والعلاقات الشخصية معقدة بصورةٍ اكبر، ومن الجدير بالذكر أن الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري هم الأكثرعرضة لنوبات الهلع والتي ربما تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب.
مقال ذي صلة: 9 اسباب وراء اضطراب الوسواس القهري
كيفية تشخيص اضطراب الوسواس القهري
يَلزَمُ تشخيص الإصابة بأحد الاضطرابات العقلية تعرض المريض لأعراض هذا الاضطراب لأسابيع أو لأشهر كما يتطلب زياراة الطبيب لعدة مرات ، ويعد تشخيص الطبيب لإحدى الحالات على سبيل المثل ” اضطراب الوسواس القهري ” أمرًا ضروريًا لتحديد شكل العلاج .
إن الغرض من التشخيص هو المساعدة في إيجاد الطرق المناسبة للعلاج، كما أن المريض ربما يستفيد من التشخيص، حيث من خلال الحصول على المعلومات الخاصة بالاضطراب الذي تم تشخيصه يستطيع المريض أن يتخطى الأمور التي من شأنها أن تجعل حالته اسوأ مثل الإسراف في الشرب أو السهر لوقت متأخر، وبالمثل، يمكن للمريض الحصول على معلومات عن الأمور التي قد تساعد في التعافي أو تخفيف أعراض الاضِطراب.
يجب أن يعرف المرء أن الغَرضَ من التشخيص هو تعريف المتلازمة التي يمر بها كما ويجب عليه معرفة الأعراض التي تجعل حياته صعبة ومعقدة، وبالتالي فإن التشخيص هو مُجَرد وضع وصف للأعراض التي تسببت للمريض ، حيث ان التَشخِيصُ ليست سوى شرح بأن المريض يعاني من اضطراب عقلي، تصاحبه أعراض مثل التعب واليأس.
أحيانًا، يكون من الأفضل للمريض أن يفكر في تَأثيرِ التشخيص على حَياتِه وهل يؤثر على هويته؟ حيث ربما يبدأ المريض في بعض الأحيان بالتفكير بصحة التشخيص ، فإذا وجد المريض أن سلوكه قد تغير بعد أن تم تشخيص حالته أو شعر بأن التشخيص لم يساعده على التعافي، فقد يكون من الحكمة أن يفكر المريض في سبب تاخر احساسة بتحسن.
أعراض اضطراب الوسواس القهري :
تختلف أعراض الوسواس القهري من شخص لآخر، فأكثر الأفكار المزعجة انتشارًا:
- الخوف من الاتساخ أو التلوث.
- الحاجة المبالغ الى فعل اشياء بشكل متنظيم و دقيق.
أكثر السلوكيات القهرية انتشارًا:
- تكرار الوضوء والصلاة.
- الخوف من التسبب بالضرر لنفسه وللآخرين.
- الخوف من الأخطاء.
- الخوف من الإحراج أو من الفشل والتورط بسلوك غير لائق .
- الخوف من الأفكار السيئة أو الشعور بالخطأ.
- الاستحمام أكثر من مرة، أو غسل اليدين بشكل متكرر.
- الخوف من الإصابة بالأمراض.
- الامتناع عن مصافحة الآخرين أو ملامسة مقبض الباب.
- تكرار التحقق من الأمور بشكل مبالغ فيه، مثل الأقفال أو مواقد الغاز.
- العد بشكل متواصل – سواء بصمت أو بصوت عال – خلال القيام بالأعمال اليومية العادية.
- تكرار كلمات، أو مصطلحات.
- الشعور بالحاجة للقيام بنفس المهام عدة مرات (كالصلاة والوضوء).
- التدقيق على ترتيب وتنظيم الأغراض الشخصية بصورة دائمة وثابتة.
- تناول مجموعة معينة وثابتة من الأغذية، ووفق ترتيب ثابت.
- التلعثم خلال الكلام، وايضًا اضافة تخيلات وأفكار مزعجة لا تختفي من تلقاء نفسها، ومن شأنها أن تسبب اضطرابات النوم.
- تجميع والاحتفاظ بأغراض ليس لها أية قيمة واضحة.
اسباب الوسواس القهري
لا يوجد أسباب للوسواس القهري واضحة ، أما النظريات بشأن العوامل المسببة والمحتملة للوسواس القهري فتتضمن:
- عوامل بيئية: قد يكون بسبب عدوى والتهابات.
- عوامل جينية ووراثية.
- عوامل بيولوجية: ربما يكون نتيجة تغير كيميائي يحصل في أداء الدماغ.
أحدث الطرق لعلاج الوسواس القهري
في السنوات الأخيرة، شهدت طرق علاج اضطراب الوسواس القهري تطورات هامة تهدف إلى تحسين نوعية حياة المصابين وتقليل الأعراض المرتبطة بهذا الاضطراب. يعتبر العلاج النفسي السلوكي المعرفي (CBT)، وبالأخص تقنية التعرض ومنع الاستجابة (ERP)، من أكثر الطرق فعالية في علاج الوسواس القهري.
مع ذلك، هناك ابتكارات ومقاربات جديدة تم تطويرها لتعزيز النتائج العلاجية، ومنها:
- العلاج بالتحفيز العميق للدماغ (DBS): يعتبر هذا النهج خياراً للحالات الشديدة التي لا تستجيب للعلاجات التقليدية. يتضمن زرع أقطاب كهربائية في مناطق محددة من الدماغ لتعديل نشاطها الكهربائي.
- العلاج بالتحفيز المغناطيسي العابر (TMS): يستخدم هذا النوع من العلاج مجالات مغناطيسية لتحفيز مناطق معينة في الدماغ، مما يساعد في تقليل أعراض الوسواس القهري دون الحاجة للجراحة أو التدخلات الجسدية الأخرى.
- العلاجات القائمة على الواقع الافتراضي (VR): تقدم التكنولوجيا طرقاً جديدة لتطبيق تقنية التعرض ضمن بيئة آمنة ومسيطر عليها، مما يسمح للمرضى بمواجهة مخاوفهم بطريقة تدريجية ومنظمة.
- العلاجات الدوائية الجديدة: مع التقدم في فهم الأساس البيولوجي للوسواس القهري، تم تطوير أدوية جديدة تستهدف مسارات كيميائية محددة في الدماغ، مما يوفر خيارات علاجية جديدة لمن لم يستجيبوا للأدوية التقليدية.
- برامج العلاج الذاتي والتطبيقات الإلكترونية: توفر هذه الأدوات إمكانية الوصول إلى موارد العلاج النفسي والدعم الذاتي، مما يساعد في إدارة الأعراض وتحسين الالتزام بالعلاج.
من المهم الإشارة إلى أن اختيار العلاج المناسب يجب أن يتم بناءً على تقييم دقيق من قبل متخصصين في الصحة النفسية، ويأخذ بعين الاعتبار شدة الاضطراب، الاستجابة للعلاجات السابقة، وتفضيلات الفرد.
التأقلم والدعم لمريض الوسواس القهري:
ربما يُشَكّلُ التعايش مع الوسواس القهري [2] تحديًا صعبًا. وربما تكون للأدوية آثار جانبية غير مرغوب فيها، وربما تشعر بالحرج أو الغضب من الإصابة بمشكلة تتطلب علاجًا لفترة طويلة.
فيما يلي يتم ذكر بعض الطرق للمساعدة في التأقلم و التعايش مع الوسواس القهري:
- التزم بأنشطتك العادية: حاول ألا تتجنب الأنشطة المفيدة. واذهب إلى العمل أو المدرسة كما تفعل عادةً. واقضِ بعض الوقت مع العائلة والأصدقاء. ولا تَدَع الوسواس القهري يُعيق حياتك.
- تعرّف على الوسواس القهري: ربما يساعدك التعرف على حالتك ويحفزك على الالتزام بخطة العلاج الموضوعة لك.
- استمر في التركيز على أهدافك: ضَع أهداف الشفاء تجاه عينيك وتذكّر أن التعافي من الوسواس القهري عملية مستمرة.
- اكتشف وسائل تنفيس صحية: اكتشف طرقًا صحية لتوجيه طاقتك وذلك مثل الهوايات والأنشطة الترفيهية، مارِس الرياضة بانتظام واتبع طريقة غذائية صحية واحصل على قسط كافٍ من النوم.
- تعلَّم الاسترخاء والتحكم في التوتر : ربما تساعد أساليب التحكم في التوتر مثل التأمل أو التخيل أو إرخاء العضلات أو التدليك أو التنفّس العميق أو اليوغا أو التاي تشي في تخفيف التوتر والقلق، وذلك بجانب العلاج التخصصي.
- انضمّ لإحدى مجموعات الدعم : ربما يوفر لك التواصل مع غيرك ممن يواجهون تحديات مماثلة الدعم ويساعدك في التأقلم مع التحديات.
هل تحتاج إلى مساعدة؟
إذا كنت تُعَانٍي من أعراض اضطراب الوسواس القهري، لا تواجه هذا الطريق وحدك. العلاج المعرفي السلوكي يمكن أن يكون بداية طريقك نحو التعافي. للحُصُول على دعم فوري، تواصل مع طبيب نفسي اونلاين الآن.
في الختام
مثل اضطراب الوسواس القهري [3] تحديًا كبيرًا يواجهه الكثيرون، حيث يعيشون في دائرة لا تنتهي من الأفكار المتكررة والتصرفات القهرية. يعتبر العلاج المعرفي السلوكي أحد أكثر الطرق فعالية في التعامل مع هذا الاضطراب، حيث يركز على تغيير الأنماط الفكرية السلبية والتصرفات الضارة.
يُقَدِم العلاج المعرفي السلوكي مجموعة من الأدوات والتقنيات التي تساعد الأفراد في التحكم في أفكارهم وتحسين استجاباتهم للمواقف المحفزة للاضطراب. يعزز التركيز على التغيير في السلوك والتفكير الإيجابي تحسين الحالة النفسية للفرد وتحقيق تحسين في نوعية حياته.
يَجِبُ على الأفراد الذين يعانون من اضطراب الوسواس القَهرِي البحث عن المساعدة المهنية المتخصصة، حيث يمكن للمعالجين المدربين في هذا المجال توجيه الفرد نحو الطرق الفعّالة للتعامل مع هذا الاضطراب. بالإضافة إلى ذلك، يَلعَبُ الدعم الاجتماعي دورًا هامًا في تحسين النتائج العلاجية وتعزيز التآزر النفسي للأفراد المتأثرين.
يَظِهر عِلاجُ اضطراب الوسواس القهري المعرفي السلوكي كأحد الأساليب الفعّالة التي تساعد الأفراد على التغلب على هذا الاضطراب الصعب. بِالتَعَاون مع المتخصصين واعتماد الأساليب الصحيحة، يُمكُنُ للأفراد تحسين جودة حياتهم واستعادة السيطرة على حياتهم اليومية.
الأسئلة الشائعة عن اضطراب الوسواس القهري والعلاج المعرفي السلوكي
1. ما هو اضطراب الوسواس القهري؟
اضطراب الوسواس القهري (OCD) هو حالة نفسية تتسم بأفكار أو وساوس متكررة وغير مرغوب فيها تدفع الشخص للقيام بسلوكيات قهرية للتخفيف من القلق المرتبط بتلك الأفكار.
2. ما هي أبرز أعراض اضطراب الوسواس القهري؟
- الأفكار الوسواسية: أفكار أو تصورات غير مرغوبة تتكرر بشكل مزعج.
- السلوكيات القهرية: أفعال يقوم بها الشخص بشكل متكرر لتخفيف القلق الناتج عن الوساوس، مثل غسل اليدين أو التحقق من الأمور بشكل مفرط.
3. ما أسباب الإصابة باضطراب الوسواس القهري؟
تختلف الأسباب وقد تشمل:
- عوامل وراثية.
- خلل في التوازن الكيميائي بالدماغ.
- أحداث حياتية مرهقة أو صدمات نفسية.
4. كيف يتم تشخيص اضطراب الوسواس القهري؟
عادة يتم التشخيص من قبل طبيب نفسي أو أخصائي نفسي من خلال تقييم الأعراض ومدى تأثيرها على الحياة اليومية للشخص.
شاركنا رأيك حول هذا الخبر
✓
فريق نفسي فيرتول
هذا المقال مدقق بعناية من قبل فريقنا المختص ليقدم لكم المعلومة الأدق والأكثر فائدة.
