إن العلاج المعرفي السلوكي (CBT) لم يكن موجوداً قبل الخمسينات من القرن الماضي، حيث كان يهيمن على علم النفس سيجموند فرويد ونظريته في التحليل النفسي، وإعتقاده بأن مشكلات الصحة النفسية سببها صراعات اللاشعور ومحاولات قمع تلك الصراعات وتجنبها.
وفي خلال الخمسينيات أو الستينيات حدثت ثورة في مجال علم النفس، حيث اكتشف كل من الطبيب النفسي أرون بيك وعالم النفس ألبرت أليس أن شيئاً آخر غير قمع الصراعات اللاواعية كانت سبباً في مشكلات مرضاهم، وأن سبب مشكلات المرضى هو أفكارهم المختلفة، وأن العديد من مرضاهم يدركون أن أفكارهم هي سبب مشكلاتهم التي يعانون منها.
ولهذا فإن مكونات العلاج المعرفي تساعدك على فحص الطريقة التي تؤثر بها أفكارك على صحتك النفسية، وبينما مكونات العلاج السلوكي تساعدك على اسكتشاف الطريقة التي تؤثر بها أفعالك على حياتك، ومن هنا تم الدمج بين النظريتين المعرفية والسلوكية ليصبحوا علاجاً واحداً.
والعلاج المعرفي السلوكي كما يوحي اسمه هو شكل من أشكال العلاج الذي يجمع بين مكونات كل من العلاجات المعرفية والسلوكية، حيث يحدد العلاج المعرفي السلوكي الطريقة التي يمكنك بها تغيير أفكارك وسلوكياتك أجل تحسين حياتك.
ماهو العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
العلاج المعرفي السلوكي هو تيار من العلاجات النفسية التي تطورت على مدى عدة عقود، وهو أحد أكثر أساليب العلاج النفسي شيوعاً وأفضلها دراسة، ويتم فيه تحديد أنماط التفكير السلبية، وإن المبدأ الأساسي من وراء هذا العلاج هو معرفة مانفكر فيه، و كيف نشعر به، وكيف نتصرف، هذه كلها عمليات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ولها تأثير حاسم علينا وعلى الذات والآخرين والعالم.
ويستخدم العلاج المعرفي السلوكي من أجل تكوين فكرة واضحة عن الأفكار ومواقفك وتوقعاتك، والكشف عن المعتقدات الخاطئة والمزعجة، وتغيير أنماط السلوك غير المرغوب فيها.
والغرض من هذا العلاج هو تعليم المريض الأساليب التي يمكنه من خلالها التعامل بشكل أفضل مع المشاكل والاضطرابات النفسية، ويكون الأسلوب مباشر وتعاوني بين المريض والمعالج، حيث يسعى المعالج إلى فهم الخلل الذي يعاني منه المريض وبمجرد فهم هذا الخلل يتم تحديد الهدف ووسائل العلاج النفسي من قبل المعالج وبالتعاون مع المريض.
ويجب ان يؤخذ بعين الاعتبار في الدرجة الأولى أننا لا نلجأ للعلاج النفسي (المعرفي السلوكي) لإلقاء الضوء على ماضٍ غير قابل للتغيير، ولكننا نلجأ للعلاج النفسي لأننا غير راضين عن حاضرنا ونريد تحسين مستقبلنا.
لماذا يستخدم العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
إن الهدف العام من العلاج المعرفي السلوكي هو إعادة صياغة أفكارك السلبية إلى مشاعر وسلوكيات إيجابية، ومساعدتك للتوصل إلى أساليب جديدة لفهم مشكلتك، وكما يهدف إلى مساعدتك على تطوير مهاراتك للتعامل مع الصعوبات بمفردك في اللحظة التي تظهر فيها، ويستخدم العلاج المعرفي السلوكي في الأساليب العلاجية النفسية المختلفة.
فمن أهم الأهداف التي يقوم عليها العلاج السلوكي المعرفي:
- زيادة استقلالية المريض وقدرته على التصرف
- يتيح له اكتساب مهارة المساعدة الذاتية
- يساعده على إدارة المرض
- اكتساب اساليب سلوكية لتنظيم المشاعر
- تعليم المريض بمراقبة مشاكله وتحديدها وتحليلها، وذلك لبناء سلوكيات منطقية بديلة غير مشوهة للواقع
- يساعد هذا العلاج المريض بالتفكير وإيجاد حلول لمشاكله
- إعادة الهيكلية المعرفية للمريض
- تنمية مهارة التأقلم مع أفكاره وعواطفه
- رؤية الفرد لمشاكله من منظور أخر
- المراقبة الذاتية لسلوكه في الحياة اليومية
- العمل على تعديل السلوك الغير مفيد والمشاعر المسببة للتوتر
- تطبيق المهارات المكتسبة في المواقف والبيئات الجديدة
وتشير الأبحاث إلى أن المهارات المكتسبة من خلال العلاج المعرفي السلوكي قد تدوم لفترات طويلة، ويمكن أيضاً تطبيقها في مجالات مختلفة من حياة الشخص.
استخدامات العلاج المعرفي السلوكي
إن استخدامات العلاج المعرفي السلوكي كثيرة ومتنوعة، حيث يمكننا استخدامه في أغلب الاضطرابات والمشكلات النفسية، ويستخدم لجميع الأعمار، وكما معروف بأن العلاج المعرفي السلوكي هو أكثر فعالية علمية وتمت دراسته على نطاق واسع، وهو علاج قصير الأمد وفعال للغاية، لذلك يتم اعتماده لدى أغلب الأطباء النفسيين والمعالجين النفسيين في العلاج.
والعلاج المعرفي السلوكي هو علاج قائم بحد ذاته، وأحياناً يستخدم كعلاج مساعد ومكمل مع الأدوية النفسية لتخفيف من حدة الأعراض ومنع تفاقمها، وقد ثبتت فعاليته في العديد من الاضطرابات والمشاكل النفسية ومنها:
- اضطراب الوسواس القهري
- الاكتئاب
- اضطراب مابعد الصدمة
- الفصام (الذهان)
- اضطراب ثنائي القطب
- اضطرابات القلق
- اضطراب تشوه الجسد
- اضطرابات الشخصية
- اضطرابات النوم
- اضطرابات الشهية
- اضطرابات جنسية
- الآلام الجسدية غير معروفة السبب
- الرهاب الاجتماعي
- اضطراب الشخصية الحدية
- اضطرابات إساءة استخدام العقاقير
- متلازمة التعب النفسي المزمن
- السلوكيات الإجرامية
- الإدمان
- الإجهاد والضيق العام
- انخفاض تقدير الذات
- إساءة استخدام المواد كالتدخين والمشروبات الكحولية
- المشاكل السلوكية لدى الأطفال
- المشاكل العاطفية لدى المراهقين
- المشاكل في العلاقات الزوجية
- المشاكل الاجتماعية
- فيبروميالغيا (متلازمة الألم العضلي الليفي)
- متلازمة القولون العصبي
تقنيات العلاج المعرفي السلوكي
إن تقنيات العلاج المعرفي السلوكي هي تقنيات تستند إلى الأدلة والبراهين العلمية التي أثبتت فعاليتها في علاج المشكلات والاضطرابات النفسية.
العلاج المعرفي السلوكي هو أحد الادوات الأكثر استخداماً في صندوق أدوات علم التفس، على الرغم من أنه يعتمد على مبادئ بسيطة، إلا أنه تكون له نتائج إيجابية عند وضعه موضع التنفيذ، فهو يستخدم مجموعة من الاستراتيجيات لمساعدة الناس على التغلب على المشكلات وتغيير انماط التفكير السلبية.
يتم إجراء العلاج المعرفي السلوكي مع المعالج في جلسات فردية أو جماعية، قد تستمر من 6 أسابيع إلى 6 أشهر وهذا يعتمد على شدة الاضطراب ونوعه ومدى تعاون الشخص واستجابته للعلاج.
فيما يلي بعض التقنيات المستخدمة في العلاج المعرفي السلوكي:
- التقييم
- حل المشكلات
- التعرض المتدرج أو المنهجي
- إعادة الهيكلة المعرفية
- منع التعرض والاستجابة
- التعرف على التشوهات المعرفية
- استرخاء العضلات
- استرخاء التنفس
- التقريب المتتالي
- التدريب على المهارات
- تنشيط السلوك
- التجارب السلوكية
- الاكتشاف الموجه
- تسجيل الأفكار
- لعب الأدور
- التصور أو التخيل
- جدولة النشاط وتفعيل السلوك
- كتابة اليوميات
- التدريب على حل المشكلة
- النمذجة
- توكيد الذات
- الواجبات المنزلية
إيجابيات وسلبيات العلاج المعرفي السلوكي
أن يكون العلاج المعرفي السلوكي ايجابيات وسلبيات حاله كحال أي علاج أخر نفسي أو جسدي.
فمن بعض ايجابيات العلاج المعرفي السلوكي مايلي:
- قد يكون مفيدة في الحالات التي لايتعمل فيها الدواء معها
- يقوم على أساس منهج علمي
- يحتاج إلى فترة زمنية قصيرة مقارنة مع العلاجات الأخرى
- تعليم المريض أساليب علمية ومفيدة يمكن اتباعها حتى بعد انتهاء العلاج
- إن العلاج المعرفي السلوكي يكون فعالاً كالأدوية في بعض الحالات الاضطراب النفسية
- تساهم طبيعة العلاج المعرفي السلوكي إلى اتباع العلاج بأساليب مختلفة،بما فيها كتب المساعدة الذاتية والمجموعات وبرامج الكمبيوتر
- تساعد في دمج طرقاً مختلفة لتصحيح الأفكار السلبية
- تنجح أستراتيجيات العلاج المعرفي السلوكي لتأكيد النفس وإدارة المواقف
- يتسم بالمرونة بما يتلائم مع المريض والخطة العلاجية
- يقدم أكثر الأدلة التجريبية فيما يتعلق بفعالية تقنيات وأنواع العلاج الفرعية
ومن سلبيات العلاج المعرفي السلوكي مايلي:
- يتطلب الالتزام بحضور الجلسات لتحقيق أقصى استفادة ممكنة
- قد لا ينفع مع الأشخاص اللذين يعانون من مشاكل عقلية معقدة، مثل صعوبات التعلم
- يعتمد على مواجهة المشاعر السلبية والمقلقة مما يؤدي إلى الشعور بعدم الراحة في الفترات الاولى
- يعالج المشاكل الحالية فقط ولا يعالج الأسباب الكامنة ورائها ( الطفولة الغير سعيدة)
- يقوم هذا العلاج على قدرة الشخص في تغيير نفسه ولا ياخذ بعين الاعتبار الوسط الاجتماعي المحيط الذي يعيش فيه
- قد يخطئ العلاج في إدراك وتقدير جوانب معينة مثل العاطفة والتحفيز
- قد يمتنع المريض في بعض الاحيان إلى تقديم المعلومات الكافية حول مشكلته وسببه
كيفية اختيار أخصائي علاج معرفي سلوكي
إن العلاقة بين المتعالج والمعالج هي حجر الأساس الأول في العلاج الجيد، وعند البحث عن أخصائي علاج معرفي سلوكي يجب الأخذ بعين الاعتبار مؤهلاته العلمية ومهاراته الشخصية وخبرته في العلاج، ولأن هذا العلاج يتعامل مع مكنونات الشخص النفسية ويقوم على مساعدة الأشخاص على تحسين حياتهم وتحيق الراحة المنشودة من وراء هذا العلاج، ولذلك فإنه من الضروري أن يكون كلا الطرفين على قدر كاف من الالتزام والمسؤولية، لضمان نجاح الخطة العلاجية.
فمن أهم الصفات الأساسية الواجب توافرها في المعالج المعرفي السلوكي ما يلي:
- أن يتمتع بخبرة كافية في ممارسة هذا العلاج لا تقل عن عامين
- أن يكون من ذووي الخبرة والاختصاص الذي يؤهله للعمل في هذا العلاج
- يجب أن يكون لديه سياسة مطبقة ( عقد يبرم بين الطرفين) تحكم كيفية الحفاظ على سرية ملف المتعالج
- أن يتحلى المعالج المعرفي السلوكي بالصبر الكافي
- أن تكون لديه مهارات اتصال قوية
- أن يكون المعالج ماهراً في الاستماع إلى كلماتك المنطوقة والإشارات الغير منطوقة
- يجب أن يتمتع بالاحترام اللازم للمتعالج ومشاكله مهما كانت بسيطة
- الاهتمام بشكل جدي مع مشاكل الناس واحتياجاتهم
- التأكد من قدرته على تقديم المساعدة لتخفيف أعراضهم وحل مشاكلهم
- أن يكون لديه القدرة الإبداعية على حل المشكلات
- تمتعه بقدرة قيادية وملهمة للأخرين
- أن يبصر المعالج نظر المتعالج نحو العلاج بأنه ليس فقط سيحل المشاكل المسببة للتوتر فقط، بل هو سيعود بالنفع عليه في الكثير من جوانب الحياة
- أن يتمتع بالصدق ويكون قادر على التحدث بلغة تواصل واضحة وبسيطة لفهم المتعالج
- أن يكون قادر على العمل بشكل فردي وكجزء من فريق العمل
- قدرته على مناقشة المشكلات وطرح الأسئلة بطريقة منفتحة وواضحة
- أن يكون قادر على التقبل الغير مشروط للمتعالج
العلاج السلوكي المعرفي للوسواس القهري
ثبت أن العلاج السلوكي المعرفي للوسواس القهري يساعد آلاف الأشخاص على تعلم كيفية إدارة اضطراب الوسواس القهري، وهو يعد العلاج السلوكي المعرفي أحد الأساليب المثبتة الوحيدة لعلاج الوسواس القهري بشكل فعال، حيث تظهر الأبحاث ان مايصل إلى 75% من المرضى اللذين قاموا بتجربة العلاج المعرفي السلوكي كعلاج للوسواس القهري وجدوا أنه فعال في علاج هذا الاضطراب.
ففي دراسة عن العلاج السلوكي المعرفي للوسواس القهري وجدت أن حتى التدخلات الافتراضية (العلاج عن بعد) للعلاج السلوكي المعرفي على مدى 10 أسابيع اسفرت عن تحسينات في أعراض الوسواس القهري وتحسين نوعية الحياة.
ويعتمد العلاج السلوكي المعرفي للوسواس القهري على الفرد وشدة أعراضه التي تؤثر بشكل مباشر على مدة العلاج، ويبلغ نموذج العلاج السلوكي المعرفي للوسواس القهري في حده الأعلى حوالي 12 أسبوع.
وحيث من الممكن ممارسة تمارين مثل التنفس العميق والاسترخاء جنباً إلى جنب مع جلسات العلاج للمساعدة في تحسين قلق المريض.
وفيما يلي سنتستعرض بعض تقنيات العلاج السلوكي المعرفي التي تستخدم في علاج الوسواس القهري:
علاج منع التعرض والاستجابة
هي من أكثر التقنيات فاعلية لعلاج الوسواس القهري، حيث تتضمن هذه التقنية تعريض المريض إلى الفكر (الوسواس المحفز للتوتر) دون السماح له بالإنخراط في السلوك القهري، وإن القيام بذلك يمنع المرضى من تجربة الراحة المؤقتة المرتبطة بالإكراه ويجبرهم على مواجهة قلقهم حتى يتلاشى ويصبحون غير حساسين له، وتشمل هذه التقنية ثلاثة أنواع من التعرض وهي:
- التعرض في الجسم الحي (التعرض الواقعي)
- التعرض التخيلي
- منع الاستجابة
تمارين التنفس العميق
حيث يوجد العديد من أنواع تمارين التنفس، والتي قد تكون مفيدة بشكل خاص لإدارة القلق المتعلق بالوسواس القهري، والهدف من تمارين التنفس العميق هو إبطاء التنفس وتنظيم معدل ضربات القلب، وهذا يؤدي إلى بث الطمأنينة والراحة في نفس المريض.
استرخاء العضلات التدريجي
إن استرخاء العضلات التدريجي هو عملية تسمح للشخص بشد الجسم وإطلاق التوتر في جميع أنحاء الجسم، ويعد تدريب الجسم على الانسحاب من هذه الاستجابة عنصراً مهماً في إدارة الإجهاد والتخلص من التوتر والقلق.
إعادة الهيكلة المعرفية
تتضمن إعادة الهيكلة المعرفية تحديد الأفكار أو أنماط التفكير الغير عقلانية واستبدالها بأفكار عقلانية مبنية على الواقع، والهدف منها هو استخدام الحقائق لتحديد الأفكار بناءاً على الاستجابات العا
العلاج السلوكي المعرفي للاكتئاب
وجد أن العلاج السلوكي المعرفي فعال في علاج المصابين بالاكتئاب الخفيف إلى المتوسط، وقد أثبتت فعاليته عند دمجه مع خيارات العلاج الأخرى مثل مضادات الاكتئاب أو الأدوية الأخرى، حيث أن هذا العلاج يساعد المريض من التخفيف من أعراض الاكتئاب، ومن أهم أساليب العلاج السلوكي المعرفي المتبعة في علاج الاكتئاب هي:
- مراقبة المزاج العام للمريض
- تسجيل معتقدات الشخص عن نفسه
- معرفة نظرته العامة عن الحياة
وقد يتم أيضاً تعيين واجب منزلي بحيث يمكنك التدريب على استبدال الأفكار السلبية بأفكار أكثر إيجابية في الواقع.
هل تحتاج إلى المساعدة
إن كنت تعاني من اضطراب نفسي ما وبحاجة للتواصل مع أخصائي نفسي ذو خبرة في العلاج المعرفي السلوكي، يمكنك الاتصال على بنا ونحن سوف نضعك على تواصل مع أخصائي نفسي من ذوي الخبرة الكبيرة في تقنيات العلاج المعرفي السلوكي، أيضاً الأنواع الأخرى للعلاج النفسي. حيث تتم الجلسات العلاجية عبر الإنترنت من خلال مكالمة فديو أو مكالمة صوتية، وتتم هذه الجلسات بخصوصية كبيرة وسرية تامة.