تعريف الأمراض النفسية
تعرف الأمراض النفسية على أنها حالة ووضع الفرد الدائمة نسبيّاً في كافة وكل جوانبه العقليّة والنفسيّة وحتى الجسديّة الصحيّة، التي تكون خالية من الأمراض العضويّة وأيضا الاضطرابات النفسيّة، فتعُمُّ وتصيب الفرد حالة من التوافق النفسيّ والذاتيّ وكذلك المجتمعيّ، يتبعها أيضا الشعور بالراحة التامة، فتُمكّنه عندها من إثبات ذاته ونفسه واستغلال الفرص المتاحة كاملة لتحقيق أهدافه.
أما المرض النفسيّ فهو يعتبر نقيض للصحة النفسيّة تماما، حيث يمكن تعريفه على أنه عبارة عن اضطراب نفسيّ المنشأ، تنجم عنه او تنتج عنه اتجاهات غير سليمة للشخص تجاه نفسه وحتى مجتمعه، أي أنّه يعتبر حالة من عدم التوافق في التفاعل سواء النفسيّ والاجتماعيّ
وظهور بعض السلوكيات غير السوية التي تؤثر في سلامة وصحة إنجازات الفرد، وسير حياته الطبيعية بشكل آمن ومستقرّ لنفسه وحتى لمن حوله، وقد ينتقل هنا المرض النفسيّ أحيانا في حالات متقدّمة من الاعتلال النفسيّ إلى ما يعرف بالاعتلال العضويّ أو حتى الوظيفيّ، مثل اضطرابات الجهاز التنفسي التي تكون نفسيّة المنشأ، أو حالات الأكزيما النفسيّة مثلا.
أسباب الأمراض النفسية
تُقسَّم أسباب الاعتلالات والأمراض النفسية إلى ما يأتي:
- أولا اسباب الأمراض النفسية المُهيِّئة: وتعتبر هي العوامل المُحيطة بالشخص سواء كانت داخليّة أو حتى خارجيّة، فهي تُمهّد وتجهز الظروف لحدوث وحصول المرض، وبالتالي هنا يصبح الفرد معرض للإصابة به، ومن أمثلة هذه الاعتلالات والمُسببات: الخبرات والأمور المُؤلمة التي من الممكن أن يكون قد تعرّض لها الفرد المريض خاصّة في مرحلة او فترة الطفولة، وأيضا العوامل الوراثية، وحتى تردي الوضع الاجتماعي، بالإضافة إلى بعض الاعتلالات والامراض الجسديّة.
- ثانيا اسباب الأمراض النفسية المُساعدة: وهي تعرف على انها الأحداث والمُثيرات المختلفة التي تحدُث في الوقت او المدة الذي يسبق لظهور المرض بشكلٍ فوري ومباشر، والتي تقود ايضا بدورها إلى تسارُع عملية حدوث وظهور المرض النفسي، ويستلزم عندها ظهورها وجود قابليّة الفرد او الشخص للإصابة به، أي أنّها تعتبر بمثابة الأزمة التي فجَّرت وادت الى المشكلات النفسيّة، لتُحوّلها بسرعة إلى أمراض واضطرابات مزمنة تُصيب الفرد في حال قابلية وجود الاستعداد الكامن والفوري لظهورها، مثل تعرّض الفرد لأزمات ماليّة كثيرة يسبقها ايضا تعرّضه لضغوط نفسية كبيرة وشديدة، أو المراحل العمريّة المختلفة الحرجة التي يمر بها الفرد وتحدث له.
- ثالثا اسباب الأمراض النفسية البيولوجيّة: وهي عبارة عن جُملة الاضطرابات أو الاعتلالات الجسميّة المختلفة التي يكون مصدرها الاساسي بيولوجيّاً كالأمراض الوراثيّة مثلا، والتشوّهات الخَلقيّة ايضا، والاختلال في كافة العمليّات الفسيولوجيّة المختلفة أثناء مراحل النمو المتنوعة والمختلفة، وأيضا اضطرابات الهيئة العامة لبُنية الشخص او الفرد من العاهات المتنوعة والعيوب الخلقية، مما يجعلها تُؤثر بشكل اساسي في التوافق النفسي وكذلك الجسمي للفرد.
- رابعا اسباب الأمراض النفسية ذو الطابع النفسي النفسية: وهي تعتبر الأسباب التي يكون مصدرها الأساسي نفسيّاً ذاتيّاً وأيضا مرتبطاً بشكل مباشر بسلامة وصحة النمو النفسيّ خلال كافة المراحل العمريّة النمائيّة المختلقة، وكذلك التفاعل الشخصيّ للفرد مع كافة وكل الظروف النفسية والاجتماعية المحيطة التي يواجهها، ومن أمثلتها: عدم تحقيق إشباع حاجات الطفل حسب احتياجاته ومتطلباته المرحلية المختلفة وحرمانه منها، وأيضا الإحباط وسوء التكيف والتأقلم الاجتماعي، والحيل الدفاعية المختلفة التي يلجأ لها الفرد او الشخص في حال عدم شعوره واحساسه بالأمان.
- خامسا اسباب الأمراض النفسية الخارجية: وتعتبر انها الأسباب البيئية المتعلقة بالبيئة وبالمحيط الاجتماعي، وكذلك التنشئة غير السوية وغير المتوازنة بين افراد الأسرة والمدرسة وكل المجتمع.
أنواع الأمراض النفسية :
تختلف أنواع الأمراض النفسيّة هنا باختلاف منشأها وحدوثها وأسبابها، فبعض الأمراض النفسيّة يمكن القول انها قد يكون أساسها عضويّاً، على سبيل المثال الضمور الدماغي، وبعض الحالات الأخرى المتقدّمة من الصرع، وكذلك الأورام الدماغية
أو حتى الخلل في إفراز الهرمونات في الجسم، وقد تكون عندها هذه الأمراض نفسيّة المنشأ والاساس مثل حالات مرض العصاب الذي يشمل كافة أنواع القلق المرضيّ، وتوّهم او تخيل المرض، والاكتئاب، وأيضا الهستيريا، والخوف، وحتى الوسواس القهري. وقد تكون أحيانا ذهانيه كانفصام الشخصية مثلا، وذهان الهوس ايضا، والهذاء، كما توجد هناك أمراض أخرى جسميّة نفسيّة
أو ما يطلق عليها بالسيكوسوماتيّة، وتظهر هذه الامراض في أجهزة الجسم المختلفة التي يُسيطر عليها بشكل أساسي الجهاز العصبيّ التلقائيّ، مثل الجهاز البولي، وأيضا الجهاز التناسليّ، وكذلك الجهاز التنفسيّ وغيرها. أما علم الطب النفسي فيمكن القول انه فقد قسّم كل الأمراض النفسيّة إلى ما يلي على سبيل المثال والذكر وليس الحصر:
القلق النفسي:
القلق يعرف على انه سلوك طبيعيّ يظهر ويحدث عند الفرد في حال انه تعرض إلى أي ضغوط حياتيّة مختلفة، ويُعتبر هذا السلوك انه مؤثّراً ومُحفّزاً ومشجعا ويدفعه إلى الإنجاز والتقديم والعطاء بكل ما لديه، فهو يعتبر انه لا يُعيق سير حياته ابدا، بل هو يقوده إلى النجاح الكبير وبالتالي الاحساس والشعور بالراحة التامة.
أما القلق المرضيّ فهو يعرف انه حالة مزعجة مريبة غير مرغوبة ابدا وغامضة غير مفهومة وغير واضحة لصاحبها، وتُعيق أيضا استمراريّة حياته اليومية بشكل طبيعي، فهي تكون الشعور بالضيق والاختناق وعدم الارتياح، وهي في الأصل تعتبر انها الخوف المستمر والخوف أيضا من المجهول
أو مثلا توقّع حدوث مصيبة أو كارثة كبيرة، وانتظار حدوثها، وكذلك العيش في إطار الذعر والهلع والرعب من وقوعها وحدوثها
إذاً فهي تصنف انها مُؤثر داخلي يستمر مع الفرد في أغلب اوقاته او أحيانه، ويحرمه عندها من التركيز والاسترخاء والنوم والراحة والاستمتاع بحياته اليومية.
وتُصاحب عندها حالات مرض القلق النفسي عندها الكثير من الأعراض والحالات الجسميّة التي يُسببها الاضطراب والاعتلال في كافة الجهاز العصبيّ اللاإرادي، وكذلك زيادة إفراز وضخ الأدرينالين في الدم، ممّا يُؤدي حينها إلى ارتفاع كبير في ضغط الدم، وزيادة شدة التعرّق، وارتعاد كافة الأطراف، وشحوب لون الجلد، كما يؤثر أيضا هذا القلق في كافة وكل أعضاء الجسم، كالقلب مثلا فتزيد نبضاته
وقد يشعر أيضا الفرد بالألم بالجانب الأيسر بجانب من منطقة الصدر، بالإضافة إلى ذلك اضطرابات في الجهاز الهضمي والشعور او الإحساس بالقيء، والغثيان، وكذلك حالات الإسهال الشديد، وحتى الإمساك، وكذلك التشنجات العضليّة
وأيضا الشد العضلي نتيجة للإحساس وللشعور المُبالغ فيه بالتوتر الكبير والخوف، وغيرها الكثير من الأمور والأعراض الجسميّة التي قد تُصبح كبيرة وخطيرة على حياة الشخص او الفرد إذا تُركت واهملت دون علاج.
الوسواس القهري
يُصيب مرض الوسواس القهري في أغلب الأحيان والاوقات الشخصيات التي تمتاز وتتصف بالدقة الشديدة، وحب الانتظام والنظام، وأيضا اتباع القوانين بشكل جدي وحذر، وغالباً ما تكون او تعتبر هذه الشخصيّة انها تتسم بالعناد الشديد، والتصلُّب
وأيضا الابتعاد عن المرونة التامة في التعامل، فهذه السمات والمزايا الشخصية قد تكون سمات ومزايا مُهيِّئة لإصابة وايضا لتعرض الفرد لهذا المرض القهري، ومن أهم أعراضه الأساسية أن تُلازم الفرد بشكل مستمر أفكار سيئة سلبية قد تتعلّق بالدين مثلا أو حتى الجنس
ومن المستحيل هنا وقوعها أو ملاحظتها بسهولة، وفي أغلب الأحيان والاوقات يعي الفرد مدى خطأ ومصيبة هذه الأفكار أو استحالتها، إلا أنها في هذه الاثناء تُلازمه وتُسيطر كليا على تفكيره وحتى انفعالاته، وتُنشئ عندها الكثير من النقاشات الحادة الداخليّة والتساؤلات الغريبة اللانهائية التي تجُرُّه فورا إلى دائرة مُغلقة ومحبطة من الأفكار والتساؤلات المختلفة
وقد تكون هذه الأعراض أحيانا على هيئة أفعال كالخوف مثلا من تراكم الأوساخ، وأيضا الرغبة المستمرة في غسل اليدين والوجه لأكثر من خمسين مرة متتالية مثلا، أو حتى الاستحمام عشر مرات مثلا يومياً، أو التأكد المستمر والمتكرر من إغلاق الباب أو مثلا إحكام إغلاق أسطوانة الغاز، بالإضافة إلى ذلك الكثير من الأعراض والحالات التي تقود صاحبها المريض إلى الإحساس والشعور بالجنون.
الهستيريا ! (تعد من أخطر أنواع الأمراض النفسية):
غالباً ما يُصاحب ويتبع هذا المرض الافراد والشخصيات الهستيريّة المجنونة القابلة للانفصال التام والكامل عن الواقع، وعيش دور محدد ومعيّن يفصلها تماما عن واقعها، بالإضافة إلى الافراد والشخصيات التي تعاني بشكل أساسي من قلة النضج الوجدانيّ
وكذلك الشخصيات المُحبة للمبالغة والمباغتة والتهويل في وصف الاحداث والوقائع، فالهستيريا تعتبر انها هي عبارة رفض العقل اللاواعي عن التغاضي التام عن بعض الأفكار والتصرفات التي يتجاهلها ويهملها العقل الواعي وينبذها
وهي تعتبر في الأصل انها تكون أفكاراً وغرائز وأيضا شهوات مذمومة وغير محبوبة وفي بعض الأحيان الأخرى محرمة تماما يتلقاها العقل اللاواعي بعد رفض تام من العقل الواعي لها ومقاومة هذا الرفض بشكل كبير
فيكون هذا المرض النفسي نتيجة للصراع الداخليّ الكبير بين الواعي واللاواعي، وعندها تظهر أعراضه الكاملة على هيئة اختلال في حركة الأطراف، أو مثلا فقدان مؤقت للذاكرة وكذلك فقدان او الغياب عن الوعي وغيرها الكثير من الأعراض الجسدية
ومثال على ذلك شعور الشخص المريض بالكراهية الكبيرة تجاه شخص معين ومحدد ولكن عقله الواعي يضبط بشكل ما هذا الشعور ويتحكم به تقريبا ليجعله يتقبل بشكل أساسي هذا الشخص ويتقبل أيضا التعامل معه ولو بشكلٍ نسبي ومؤقت، فيتلقى اللاواعي عندها هذا السلوك ويحتفظ به تلقائيا بصورته الأصلية الممتلئة بالكراهية والحقد ويُخرجه على هيئة انفعال جسدي كبير، مثل أن يُصاب الشخص المريض بالقيء فور مصادفته لهذا الشخص.
الاكتئاب ! (تعد من أشد أنواع المرض النفسي) :
يظهر الاكتئاب احيانا عند الأشخاص الذين يُظهرون كافة الاستجابات النفسيّة الغير تكيفيّة، والتي تكون ميّالة للاكتئاب في حال تعرضها مثلا للخبرات الغير محبذة وغير المرغوب فيها، وهي التي تعاني أيضاً من القصور في النضج الانفعالي
وكذلك تغيّر وتقلب المزاج بشكل سريع فوري يتبع كل الظروف البيئيّة المحيطة، إذاً فالاكتئاب يعرف انه هو الإحساس الدائم بالحزن الشديد والتعاسة وأيضا عدم القدرة على الاستمتاع التام بالحياة، والشعور المستمر ايضا بالإحباط وفُقدان الأمل
وكذلك المحاولة للوصول بأي شكل للسعادة والفشل في ذلك، وبالتالي يحدث عندها ارتفاع شدة الإحباط وعدم الامل والجزع لديه، كما أنّ الفرد المريض الذي يعاني من هذا المرض تظهر عليه الكثير من حالات اختلال النوم والطعام
وحتى الخمول والاحساس بالثقل في حركة الجسم، والخوف والهلع والرعب الداخليّ، بالإضافة إلى عدم الاستطاعة على التركيز والتردد والخوف المستمر وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، وأحياناً يصل الامر إلى تمني الموت مثلا، وانتهاء حياته كليا التي يعتقد أن لا فائدة او جدوى منها، إذا فالاكتئاب هنا يحدث نتيجة للضغوط المتراكمة التي يتعرض لها الشخص ويتفاعل معها فورا بشكل سلبيّ، والوصول به عندها إلى حاله من الاكتئاب.
الخلاصة من مقال تعريف الأمراض النفسية
في ختام هذا المقال، نجد أن تعريف الأمراض النفسية يعكس تعقيد الحالة البشرية وتنوعها. إنها مجموعة من الاضطرابات التي تؤثر على العقل والسلوك، وتعرقل القدرة على التكيف والوظائف اليومية. تشمل الأمراض النفسية مجموعة واسعة من الحالات، بدءًا من الاكتئاب والقلق والفصام إلى الاضطرابات ثنائية القطب واضطرابات التوحد.
ومن المهم أن نفهم أن الأمراض النفسية ليست مجرد تقلبات مزاجية عابرة أو نتيجة لضغوط الحياة اليومية. إنها حالات حقيقية تستوجب الاهتمام والتقييم الدقيق والعلاج الملائم. يمكن أن تؤثر الأمراض النفسية على جودة الحياة والعلاقات الشخصية والأداء الوظيفي، ومن ثم يجب علينا السعي للمساعدة والدعم المناسب للأفراد المتأثرين.
علاوة على ذلك، ينبغي أن نتفهم أن الأمراض النفسية لا تعتبر عيبًا أو عارًا، بل هي حالات طبية تستدعي التعاطف والتفهم. يجب أن نعمل على إزالة ال estigmatización المحيطة بهذه الاضطرابات وتعزيز الوعي والتثقيف لتعزيز المساعدة والدعم للأفراد المصابين وأسرهم.
في النهاية، يجب أن نولي الأمراض النفسية الاهتمام والاعتراف الذي يستحقها كما نفعل مع الأمراض الجسدية الأخرى. عندما نتعامل مع الأمراض النفسية بفهم وتعاطف، نساهم في بناء مجتمع صحي ومتوازن يدعم صحة العقل والجسد على قدم المساواة. فلنتعاون معًا لتشجيع المحبة والدعم والتفهم في تعاملنا مع الأمراض النفسية، ولنبدأ رحلة نحو الشفاء والتعافي لكل فرد يعاني من هذه الاضطرابات.
المراجع
الفرق بين الطبيب النفسي و الاخصائي النفسي
Long-Term Outcome of Patients With Schizophrenia
No Comment! Be the first one.